الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } * { مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } * { لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ } * { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَٰشِعِينَ للَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

ثم أخبر عن ذلة أهل الدنيا وعزة أهل التقى في العقبى بقوله تعالى: { لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } [آل عمران: 196]، إشارة في الآيتين: إن الله تعالى خاطب النبي صلى الله عليه وسلم بخطاب { لاَ يَغُرَّنَّكَ } [آل عمران: 196] لمعنيين:

أحدهما: خطاب التكوين، إذ قال له: { لاَ يَغُرَّنَّكَ } [آل عمران: 196]، فكان كما قال: لا تغره أبداً، تنعم الذين كفروا وتمتعاتهم بنعيم الدنيا، يدل عليه قوله:إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [النحل: 40].

والثاني: خاطبهم بهذا الخطاب؛ ليعلم أمته أنه صلى الله عليه وسلم مع كمال مرتبته وقوته خوطب بهذا؛ لاحتمال وقوعه في ورطة الغرور بالدنيا وتمتعاتها، فلا يأمن أحد على نفسه وتوقانها عن ورطة الغرور بها، ولا يغتر بغرور الشيطان، كما قال تعالى:فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } [فاطر: 5]، فإنها { مَتَاعٌ قَلِيلٌ } [آل عمران: 197]؛ وهي مشرب النفوس الأمارة بالسوء، وصواحبها ذلك أيام قلائل، { ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } [آل عمران: 197]، البعد عن الحضرة ودركاتها، { وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } [آل عمران: 197].

{ لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ } [آل عمران: 198]، احترزوا عن الدنيا وما فيها تقرباً إلى { رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ } [آل عمران: 198]، القربة { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [آل عمران: 198]، والكرامات والسعادات { خَالِدِينَ فِيهَا } [آل عمران: 198]، مخلدين فيها، لا انقطاع لتلك القربات والكرامات، { نُزُلاً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } [آل عمران: 198]؛ أي: سبيل النزول من عند الله، هذه كلها { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ } [آل عمران: 198] من كمالات القرب ومشاهدات الجمال والجلال، { خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ } [آل عمران: 198] من نعيم الجنان والوقوف مع ما هو نزل لعباد الرحمن، وإن حسنات الأبرار سيئات المقربين.

ثم أخبر بفصل الخطاب عن مؤمني أهل الكتاب بقوله: { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ } [آل عمران: 199]، إشارة في الآية: { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ } [آل عمران: 199]؛ هم العلماء المتقون، { لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ } [آل عمران: 199]؛ يعني: يكون إيمانه من نتيجة نور الله الذي دخل قلبه، { وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ } [آل عمران: 199] من الواردات والإلهامات والكشوف بأرباب القلوب، { وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ } [آل عمران: 199]، من الخواطر الرحمانية، { خَٰشِعِينَ للَّهِ } [آل عمران: 199]؛ أي: خاضعين له، تجلى الله لأسرارهم بصفات الجمال فعاشوا متواضعين له، كما قال صلى الله عليه وسلم: " إذا تجلى الله بشيء خضع له " ، { لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ } [آل عمران: 199]؛ أي: بما أوتوا من العلم والحكمة { ثَمَناً قَلِيلاً } [آل عمران: 199]، عرضاً من العروض الدنيوية، { أُوْلـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ } [آل عمران: 199]؛ أي: ثوابهم وجزاؤهم { عِندَ رَبِّهِمْ } [آل عمران: 199]؛ يعني مقام العنديةعِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } [القمر: 55]، { إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } [آل عمران: 199]؛ أي: يعجل في جزاء أعمالهم يجيب نياتهم؛ ليبلغهم إلى مقاماتهم في القرب قبل وفاتهم، ولا تؤجل إلى بعد وفاتهم،

السابقالتالي
2