الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } * { ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ قُلْ قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآءُوا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ }

ثم أخبر عن أمثال هذه الأعمال من الأفعال والأقوال بقوله تعالى: { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ } ، إشارة في الآيتين: إن العبد إذا غلبت عليه الصفات الذميمة واستولى عليه الهوى والشيطان ومات قلبه، تكاملت الصفة الأمارة بالسوء لنفسه،وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ } [النجم: 3-4] إليه الشيطان لقوله تعالى:وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ } [الأنعام: 121]، والنفس إذا تكلمت بالهوى تدعي بالربوبية ادعاء فرعون،فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } [النازعات: 24]، فيكون كلامها من صفات الربوبية، وإن من صفات الربوبية قوله تعالى:وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ } [محمد: 38]، فإذا تم فساد حال النفس الأمارة بالسوء تثبت صفات الربوبية لنفسها، وصفات العبودية لربها، كقوله تعالى: { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } [آل عمران: 181]، أثبتوا لأنفسهم صفات الربوبية وهي الغناء، وأثبتوا لله صفة العبودية وهي الفقر، { سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ } [آل عمران: 181]، وسنميت قلوبهم بأقوالهم هذه كما أمتناها بأفعالهم، وهي { وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ } [آل عمران: 181]، يشير إلى: إن جزاء هذه الأحوال في حق الله سبحانه مثل جزاء هذه الأفعال في حق الأنبياء - عليهم السلام - { وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ } [آل عمران: 181]، القلب الميت { ٱلْحَرِيقِ } [آل عمران: 181]، بنار القهر والقطيعة { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } [آل عمران: 182]؛ أي: بشؤم معاملاتكم القولية والفعلية على وفق الهوى والطبيعة، وخلاف الرضاء والشريعة، { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [آل عمران: 182]، بأن يضع الشيء في موضعه لهم؛ يعني: لا يجعل المصلح منهم مظهر صفة قهره، ولا المفسد منهم مظهر صفة لطفه، كما قال تعالى:ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [الأنعام: 124].

ثم أخبر عمن لهم مثل حالهم وشبه مقالهم بقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا } [آل عمران: 183]، الإشارة في الآيتين، فاعلم أولاً أن الإنسان هو العالم الأصغر فيوجد فيه النموذج من كل ما في العالم الأكبر، وفي قوله تعالى: { قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا } [آل عمران: 183]، إشارة إلى: إن في اليهود صفات البهيمة والسبعية والشيطنة، { أَلاَّ نُؤْمِنَ } [آل عمران: 183]؛ أي: لا تستسلم ولا تنقاد { لِرَسُولٍ } [آل عمران: 183]؛ أي: خاطر روحاني وإلهام رباني، أو وارد حق { حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ } [آل عمران: 183]، وهو الدنيا وما فيها نجعلها نسيكة لله عز وجل { تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ } [آل عمران: 183]،نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ * ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ } [الهمزة: 6-7]، التي تقدح من زناد نخبهم، فإن كثيراً من الطالبين الصادقين يجعلون الدنيا وما فيها قرباناً لله تعالى فلا تأكله نار الله، { قُلْ } [آل عمران: 183]، يا دار الحق { قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي } [آل عمران: 183]؛ أي: واردات من الحق { بِٱلْبَيِّنَاتِ } [آل عمران: 183]، والبراهين الظاهرة والحجج الباهرة، { وَبِٱلَّذِي قُلْتُمْ } [آل عمران: 183]؛ أي: بإتيان الدنيا قرباناً، { فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ } [آل عمران: 183]، غلبتموهم وتحرقونهم حتى لم يبق أثر من تلك الواردات، { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [آل عمران: 183]، إنكم تنقادون بالواردات الحق.

السابقالتالي
2