الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } * { فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَٱتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } * { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ }

ثم أخبر عن حال من رزق الاستشهاد ومن قتل في الجهاد بقوله تعالى: { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً } [آل عمران: 169]، إشارة في الآية: إن أرباب القلوب الذين قتلوا أنفسهم بسيف الصدق في سبيل السير إلى الله تعالى، فلا تحسبن أهل الغفلة والبطالة إنهم أموات وما ماتت نفوسهم، { بَلْ أَحْيَاءٌ } [آل عمران: 169] قلوبهم، { عِندَ رَبِّهِمْ } [آل عمران: 169] بنور جماله، كما قال تعالى:أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ } [الأنعام: 122]، { يُرْزَقُونَ } [آل عمران: 169]، من كؤوس تجلي الصفات ساقيهم شراب الشهود، { فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } [آل عمران: 170]؛ أي: بما جذبتهم العناية الإلهية إلى عالم الوصول، { وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ } [آل عمران: 170]، من إخوان الصدق ومريديهم، { لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ } [آل عمران: 170]، وهو بعد في سلوك الطريق إلى الله تعالى، { أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } [آل عمران: 170] من الانقطاع في الطريق؛ لأنهم شاهدوا وعاينوا إن متابعيهم مجذوبون بجذبات الحق، وإنه لا انقطاع بها فيصلون إليهم، { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [آل عمران: 170]، على فوات الحياة النفسانية؛ لفوزهم بالحياة الربانية.

ثم أخبر عن الاستبشار بفضل الملك الغفار بقوله تعالى: { يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [آل عمران: 171]، والإشارة في الآيات: إن الشهداء الذين استشهدوا في طلب الحق بسيف الصدق، يستبشرون عند فناء البشرية بنعمة من الله وهي البقاء ببقاء الإلوهية؛ لأنه قال تعالى: { بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ } [آل عمران: 171] لا من الجنة وغيرها، { وَفَضْلٍ } [آل عمران: 171]؛ أي: إعطائهم هذه النعمة إنما كان بفضل منه لا بمجازاة أعمالهم على الحقيقة؛ لأن المجازاة إنما تكون بالأمثال والأضعاف، كقوله تعالى:مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } [الأنعام: 160]، ولَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى: 11]، فاعلم جدًّا { وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [آل عمران: 171]؛ يعني: إذا أعطاهم نعمة البقاء بفضل منه لا مجازاة أعمالهم فلا يضيع أجر أعمالهم، فيجازيهم بالجنة ونعيمهاجَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [السجدة: 17]، كما قال تعالى:لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } [يونس: 26]؛ الحسنى: عفي الجنة، والزيادة هي: النعمة التي من فضل الله وفضل الله منه.

ثم وصفهم وقال تعالى: { ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ للَّهِ } [آل عمران: 172] عند الميثاق الأول، إذ قال:أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [الأعراف: 172] فأجابوه:قَالُواْ بَلَىٰ } [الأعراف: 172]، أقررنا بالربوبية والوحدانية، { وَٱلرَّسُولِ } [آل عمران: 172]، فأجابوه بقبول دعوة أتباعه في أخذ ما أتاهم وانتهاء ما نهاهم عنه، { مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلْقَرْحُ } [آل عمران: 172]؛ أي: جراحة المفارقة من حظائر القدس وجوار رب العالمين، فإن الخلائق استجابوا لله عامتهم إذ

السابقالتالي
2