الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ظَنَّ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ يُخْفُونَ فِيۤ أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَٰهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }

ثم أخبر عن إنزال النعيم بعد الغم بقوله تعالى: { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ } [آل عمران: 154]، إشارة في الآيتين: إن الله تعالى ينزل حقائق أصناف ألطافه على عباده في صور مختلفة، كما أنزل حقيقة الآمنة والصبر والتثبت والشجاعة على الصحابة يوم أحد في صورة النعاس، { يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ } [آل عمران: 154]؛ يعني: المؤمنين فجعل النعاس معدن جواهر ألطافه من الأمن وغيره مما ذكر الصحابة، وجعله معدن جواهر الوقائع السنية لأرباب القلوب من المكاشفات والمشاهدات، والواردات وأنواع المواهب، فإن أكثرها تقع في النعاس بين النوم واليقظة، { وَطَآئِفَةٌ } [آل عمران: 154]؛ يعني: المنافقين، { قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ } [آل عمران: 154]، هي إشارة إلى أرباب النفوس الذين لا يهتم بهم إلا هم { أَنْفُسُهُمْ } [آل عمران: 154]، من استيفاء حظوظها وتتبع شهواتها، ولذاتها الجسمانية وتمتعاتها الحيوانية بخسة طبعها وركاكة نظرها الحسي، { يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ } [آل عمران: 154]؛ يعني الظن الباطل { ظَنَّ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ } [آل عمران: 154]؛ أي: كظن أهل الجاهلية؛ وهو ظن الأمور إلى الخلق لا إلى الله بقضائه وقدره، { يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ } [آل عمران: 154]؛ أي: ما لنا مدعي الإسلام من أمر النصرة والظفر من شيء، فما وعدنا الله ورسوله أنٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } [آل عمران: 126] وإليه أمره، { قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ } في الدارين { كُلَّهُ للَّهِ } [آل عمران: 154]، منه وإليه وبه { يُخْفُونَ فِيۤ أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ } [آل عمران: 154]، بل تبدون بعضهم لبعض، وهو قوله تعالى: { يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ } [آل عمران: 154]، من أمر النصرة والحقيقة في الدين، { شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَٰهُنَا } [آل عمران: 154]، بالباطل على أيدي حزب الشيطان والمبطلين { قُل لَّوْ كُنتُمْ } [آل عمران: 154]، أيها الغافلون عن الأحكام الأزلية وسر القدر، { فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ } [آل عمران: 154]؛ أي قضى وقدر عليهم القتل بالحكم من الأزلية { إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ } [آل عمران: 154]،لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً } [الأنفال: 42]، { وَلِيَبْتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ } [آل عمران: 154]، أيها المنافقون مما تخفون في أنفسكم من النفاق والإنكار والاعتراض على الله ورسوله، والكفر بآيات الله والأخلاق الردية والأوصاف الدنية، ويخرجها عنكم قولاً وفعلاً، أيها المؤمنون مما تضمرون في قلوبكم من الإيمان والإيقان والتصديق بالقرآن، والتسليم لله ورسوله وتفويض الأمور إلى الله، والرضا بقضاء الله وقدره، والأخلاق الحميدة والأوصاف الكريمة، ويستخرجها منكم خلقاً وعملاً بتخصيص هذا التمحيص.

وفيه معنى آخر وهو: أن معنى التمحيص بمعنى التطهير، { وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ } [آل عمران: 154]، من دنس الإنساني وغيره من الصفات الذميمة عند التولي، فيستغفرون منها فيغفر فيطهركم منها، كما قال تعالى: { عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ } [آل عمران: 155]، { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [آل عمران: 154]؛ يعني: قبل استخراج ما فيها، { عَلِيمٌ } [آل عمران: 154] بما فيها، فيستخرجها بهذا؛ لإظهار ما فيها على العالمين حجة عليهم ولهم، والنكتة في ذكر أصحاب النفوس، وهم المنافقون بابتلاء ما في الصدور وفي ذكر أولى الألباب، وهم المؤمنون بتمحيص ما في القلوب أن الصدور معدن النفاق والغل ووسوسة الشيطان وتسوله كقوله تعالى:

السابقالتالي
2