الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } * { هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } * { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ }

ثم أخبر عن سنن أهل السنن بقوله تعالى: { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ } [آل عمران: 137]، إشارة في الآيات: إن الله تعالى خص السائرين إلى الله تعالى بالمهاجرة عن الأوطان والمسافرة إلى البلدان؛ لمفارقة الخلان والأخدان ومصاحبة الإخوان غير الخوان، فيصبروا عن سنن أهل السنن فقال تعالى: { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ } [آل عمران: 137]؛ أي: أمم لهم سنن، { فَسِيرُواْ } [آل عمران: 137] على سنن أهل السنة، { فِي ٱلأَرْضِ } [آل عمران: 137]، نفوسكم الحيوانية بالعبور من أوصافها الدنية وأخلاقها الردية لتبلغوا سماء قلوبكم الروحانية، وتتخلقوا بالأخلاق الربانية { فَٱنْظُرُواْ } [آل عمران: 137]؛ أي: ثم انظروا { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } [آل عمران: 137]؛ أي: صار حاصل أمر النفوس المكذبة بهذه المقامات الروحانية والمكاشفات الربانية عند الوصول إليها.

{ هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } [آل عمران: 138]، أي: لأهل الغفلة والغيبة الناسين عهد الميثاق { وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } [آل عمران: 138]؛ لأهل الهداية والشهود الذاكرين للعهود الذين انقطعوا بالتجارب واتقوا عما سوى الله { وَلاَ تَهِنُوا } [آل عمران: 139]، يا سائرين إلى الله في السير إليه { وَلاَ تَحْزَنُوا } [آل عمران: 139]، على ما فاتكم من تنعمات الدنيا والكرامات الأخروية { وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [آل عمران: 139]؛ يعني: وأنتم الأعلون من أهل الدنيا والآخرة في المقام عند ربكم إن كنتم مصدقين بهذه الأخبار تصديق الائتمار { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ } [آل عمران: 140]، في أثناء السير من المجاهدات وأنواع البلاء والابتلاء { فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ } [آل عمران: 140] من الأنبياء والأولياء، { قَرْحٌ } [آل عمران: 140] من المحن، { مِّثْلُهُ وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ } [آل عمران: 140]؛ أي: من المحن والبلاء والابتلاء والامتحان { نُدَاوِلُهَا } [آل عمران: 140] بين السائرين إلى يوماً نعمة ويوماً نقمة ويوماً منحة ويوماً محنة، { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [آل عمران: 140]، أي: لتحيزهم بالابتلاء والامتحان، ويجعلهم مستعدين لمقام الشهادة، { وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ } [آل عمران: 140] يا مبتلون بالنعمة والنقمة في آثار السير { شُهَدَآءَ } [آل عمران: 140] أرباب الشهود والمشاهدة، { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } [آل عمران: 140]؛ يعني: الذين يصرفون استعدادهم في طلب غير الحق والسير إليه.