الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُنزَلِينَ } * { بَلَىۤ إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُسَوِّمِينَ } * { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } * { لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ }

ثم أخبر عن إمداده لنصرة عباده بقوله تعالى: { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ } [آل عمران: 124]، إشارة في تحقيق الآيات: إن نور نبوة النبي صلى الله عليه وسلم يلهم أرواح المؤمنين على الدوام عند مقابلة الشيطان، ومجاهدة النفس، ومكايدة الشيطان والهوى، والركون إلى زخارف الدنيا والميل إليها، { أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُنزَلِينَ } [آل عمران: 124]؛ يعني: الجنود الروحانية الملكوتية التي لا تدركها الحواس لقوله تعالى:وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } [التوبة: 26]، فتقوى بها قلوبكم لدفع خوف البشرية ورفع عجز الحيوانية، ويحييها بروح رباني كما قال تعالى:وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ } [المجادلة: 22].

{ بَلَىۤ إِن تَصْبِرُواْ } [آل عمران: 125] على مخالفة النفس ونهيها عن هواها { وَتَتَّقُواْ } [آل عمران: 125]، بالله عما سواه { وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ } [آل عمران: 125]؛ أي: يزدكم في الإمداد بالجنود الروحانية وهم { مُسَوِّمِينَ } [آل عمران: 125]، بسوم الربانية.

{ وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ } [آل عمران: 126]؛ أي: ما ذكر الله الملائكة وعددهم { إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ } [آل عمران: 126]؛ أي: لاستبشاركم بالمدد الإلهي، { وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ } [آل عمران: 126]، بذكر الملائكة وكثرة عددهم؛ لأنكم أرباب الوسائط المحتجبون عن الله برؤية الوسائط، وأما القلوبٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ } [الرعد: 28] فالله تعالى رفع الوسائط بينه وبينهم وقال:أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } [الزمر: 36]، ولهذا التحقيق قال الله تعالى: { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } [آل عمران: 126]؛ يعني: ليس النصر من الملائكة وغيرهم إلا من عند الله؛ لأنه هو { ٱلْعَزِيزِ } [آل عمران: 126] الذي يعز من يشاء بالنصر، ويذل من يشاء بالقهر،فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً } [فاطر: 10] { ٱلْحَكِيمِ } [آل عمران: 126] الذي بحكمته يعز من يشاء على من يشاء كيف يشاء متى شاء على ما يشاء.

{ لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } [آل عمران: 127]؛ يعني: { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } [آل عمران: 126] ليقهر بعض الصفات النفسانية وهي منشأ الكفر بنصر الروح وصفاته، { أَوْ يَكْبِتَهُمْ } [آل عمران: 127]؛ أي: يغلبهم ويظفر بهم كما قال تعالى:وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ } [يوسف: 21]، { فَيَنقَلِبُواْ } [آل عمران: 127]؛ يعني: النفس وصفاتها، { خَآئِبِينَ } [آل عمران: 127]، فما كانا يرجون أن يظفروا بالروح وصفاته ويغلبوهم.