ثم أخبر عن خيرية الأمة على البرية بقوله تعالى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [آل عمران: 110]، إشارة في الآيات: إنكم كنتم خير أمة أخرجت من العدم إلى الوجود، مستعدة لقبول كمالية الإنسان، { تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } [آل عمران: 110]؛ أي: تأمرون بطلب المعروف وهو الله فإنه معروف العارفين، { وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } [آل عمران: 110]؛ وهو طلب المعروف { وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } [آل عمران: 110]، إيمان القلب أي: تطلبون الله تعالى: { وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ } [آل عمران: 110]، إشارة إلى علماء السوء؛ يعني: لو طلبوا الله فيما يتعلمون العلم ويعلمون الناس، ولا يطلبون الرياسة والتقدم والنعم، { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } [آل عمران: 110]؛ يعني: لكان الخيرية في الأمم لهم ثم قال تعالى: { مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [آل عمران: 110]؛ يعني منهم المحققون والمستحقون للكمال، { وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } [آل عمران: 110]، الخارجون على طلب الحق وطلب الكمال لدناءة همتهم وقصر نظرهم، { لَن يَضُرُّوكُمْ } [آل عمران: 111]، أيها المحققون المستحقون للكمال { إِلاَّ أَذًى } [آل عمران: 111]، من طريق الإنكار والإعراض والحسد { وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ } [آل عمران: 111]، يخاصموكم وينازعوكم { يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدْبَارَ } [آل عمران: 111]، من صدق نياتكم ينهزموا عنكم { ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } [آل عمران: 111] عليكم؛ لأنكم أهل الحق و{ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [المائدة: 56].
{ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ } [آل عمران: 112] ذلة الطمع ومسكنة الحرص، { أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ } [آل عمران: 112]، إلا أن يعتصموا لمحبة الله وطلبه { وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ } [آل عمران: 112]؛ يعني: متابعة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته، { وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ } [آل عمران: 112]؛ يعني: وإن لم يعتصموا باءوا بغضب من الله وهو البعد عنه والطرد، { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ } [آل عمران: 112] كفران النعمة، { بِآيَاتِ ٱللَّهِ } [آل عمران: 112]، التي أظهرها الله على أوليائه وأكرمهم بها على سائر الخلق لتبيين الخلق، { وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ } [آل عمران: 112]؛ أي: يميتون سنن الأنبياء وسيرهم بإظهار أباطيلهم في طلب الدنيا والحرص عليها، وكتمان الحق بترك طلبه، { ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْاْ } [آل عمران: 112]؛ أي: لسبب أنهم عصوا الله في أوامره وطلبه وترك غيره، كما قال تعالى{ قُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ } [الأنعام: 91] وعصوا الرسول في دعوته إياهم إلى الله وكان{ وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً } [الأحزاب: 46]، { وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } [آل عمران: 112]، يتجاوزون عن سنن الاستقامة ويتناكبون عن الصراط المستقيم الذي هو{ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } [سبأ: 6].