الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ ٱللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ } * { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }

قال تعالى:أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ } [البقرة: 44]، وقال تعالى:لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } [الصف: 2-3]، { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ } [آل عمران: 105]، بعد ما اجتمعوا { وَٱخْتَلَفُواْ } [آل عمران: 105]، بعدما اتفقوا { مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ } [آل عمران: 105]، الموجبة للجمعية والوفاق، { وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [آل عمران: 105]، من التفرق والاختلاف بعد الجمعية والوفاق، { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [آل عمران: 106]، الذين اسودت قلوبهم بالكفر، والتفرق والاختلاف من الله تعالى وذلك؛ لأن الوجوه تحشر بلون القلوب كقوله تعالى:يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } [الطارق: 9]؛ أي: يجعل ما في الضمائر على الظواهر، { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ } [آل عمران: 106]، فيقال لهم: { أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } [آل عمران: 106]؛ وهم أرباب الطلب السائرون إلى الله، الذين انقطعوا في بادية النفس، واتبعوا الهوى وارتدوا على أدبارهم القهقري { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } [آل عمران: 106]، تسترون الحق بالباطل، وتعرضون عن الحق في طلب الباطل، وكنتم معذبين بنار الهجران والقطيعة في الدنيا؛ ولكن ما كنتم تذوقون عذابها والناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا لا يذوقوا ألم جراحة الانقطاع والإعراض عن الله تعالى: { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ ٱللَّهِ } [آل عمران: 107]، فكانوا في رحمة الجمعية والوفاق مع الله في الدنيا { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [آل عمران: 107]، في الآخرة؛ لأنه يموت الإنسان على ما عاش فيه ويحشر على ما مات عليه، { تِلْكَ } [آل عمران: 108]، الأحوال { آيَاتُ ٱللَّهِ } [آل عمران: 108] مع خواصه، { نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ } [آل عمران: 108]، نظرها على قلبك بالحق، { وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ } [آل عمران: 108]، لا يظلم على أهل الدنيا والآخرة بأن يضع سواد الوجه وذوق العذاب في غير موضعه، ولا بياض الوجه وخلود الرحمة في غير موضعه، { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [آل عمران: 109]، مِلكاً ومُكاً، وخلقاً وقدرة، وحكماً وتصرفاً، وإيجاداً أو إعداماً، وقضاء وقدراً، { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } [آل عمران: 109]؛ يعني: كل أمر يصدر في السماوات والأرض والدنيا والآخرة فالله تعالى مصدره يرجع إليه عاقبته، وليس لأحد فيه حكم وتصرف حقيقي غيره سبحانه.