الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } * { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } * { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

ثم وصى الله المؤمنين وقال تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } [آل عمران: 100]؛ يعني: علماء السوء متابعي الهوى { يَرُدُّوكُم } [آل عمران: 100]، عن طريق الهداية { بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } [آل عمران: 100]؛ أي: من بعد إيمانكم وطلبتم منهم طريق الحق فأضلوكم بسيرتكم وإتباعكم الهوى عن سبيل الله كماضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } [المائدة: 77] ثم في صيغة التعجب { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ } [آل عمران: 101]، بالله وكنتم أمواتاً ولا تؤمنون { وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ ٱللَّهِ } [آل عمران: 101]، إن من خواص تلاوة آيات الله أن تزيد في إيمانكم كما قال تعالى:وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَٰناً وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [الأنفال: 2]، { وَفِيكُمْ رَسُولُهُ } [آل عمران: 101]، ومن خاصيته أنه نور يهدي به الله كما قال تعالى:قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ } [المائدة: 15]؛ يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم،وَكِتَابٌ مُّبِينٌ } [المائدة: 15]؛ يعني: القرآنيَهْدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ ٱلسَّلاَمِ } [المائدة: 16]؛ يعني: يهدي الله بالرسول المؤمنين سبيلاً وهو السلام.

ثم قال تعالى: { وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ } [آل عمران: 101]؛ يعني: ومن كان اعتصامه وتمسكه بالله في كل الأحوال ولا يطلب إلا هو { فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [آل عمران: 101]، إلى الله.

ثم أخبر عن الاعتصام بالله وهو تقوى الله بقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } [آل عمران: 102]، إشارة في الآية { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } [آل عمران: 102]؛ أي: اتقوا عن وجودكم بالله وبوجوده، فإن وجودكم مجازي ووجوده حقيقي، وإن الدين الحقيقي الذي عند الله الإسلام؛ وهو أن يسلم العبد وجوده المجازي في ابتغاء الوجود الحقيقي نفياً للشركة وإثباتاً للوحدة، وهذا تحقيق قوله تعالى: { وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } [آل عمران: 102]؛ أي: لا ينتفي وجودكم المجازي إلا بتسليمكم للوجود الحقيقي فافهم جيداً.

ثم أخبر عن طريق التسليم الذي هو الدين القويم { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً } [آل عمران: 103]، إشارة في الآية: إن أهل الاعتصام طائفتان:

أحدهما: أهل الصورة وهم المتعلقون بالأسباب؛ لأن مشربهم الأعمال.

والثانية: أهل المعنى وهم المنقطعون عن الأسباب، لأن مشربهم الأحوال، فقال تعالى:وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ } [الحج: 78]؛ أي: متصوركم ومقصودكم، وفيه معنى آخر؛ أي: ناصركم ومعينكم على الاعتصام وقال للمتعلقين بالأسباب الذين مشربهم الأعمال: { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً } [آل عمران: 103]؛ وهو كل سبب يتوصل به إلى الله، فالمعتصم بحبل الله: هو المتقرب إلى الله بأعمال البر ووسائط القربة، والمعتصم بالله: هو الفاني عن نفسه الباقي بربه، ثم قال تعالى: { وَلاَ تَفَرَّقُواْ } [آل عمران: 103]؛ لأن ترك الاعتصام بأعمال البر ووسائط القرب موجب للتفرق في الظاهر والباطن.

السابقالتالي
2