الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } * { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا ٱللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } * { ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } * { وَمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } * { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ يَعلَمُونَ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَكْفُرُونَ } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ } * { وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [العنكبوت: 58] بحقيقة الوصول والوصال.

{ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } مهاجرين عن أوطان الوجود { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ } جنة الوصال { غُرَفَاً } من غرف المعارف { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أنهار الحكم { خَالِدِينَ فِيهَا } [العنكبوت: 58] في جنات القرب والوصول.

{ نِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } [العنكبوت: 58] القاصدين بالخروج عن حجب الأنانية للوصول إلى كعبة الهوية في السير فيها مجذوبين عنهم به { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } [العنكبوت: 59] في البداية: صبروا على حبس النفس بفطامه عن لبن مرامها، وفي الوسط: صبروا على تجرع القلب كاسات التقدير من غير تعيين، وفي النهاية: صبروا على بذل الروح لنيل الفتوح من مواهب المعيشة وكرامة المحبوبية { وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [العنكبوت: 59] بإعراض القلب عن غير الرب واثقين بربوبيته قائمين بقيوميته وبقوله: { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا } [العنكبوت: 60] يُشير إلى من كانت همته في أرض الدنيا طلب شهوات النفس، فإن رزقها مقسوم لها، وهو لا يحمل النظر عنها فهو متابعة الدابة، الله يرزقها مما هو متمناها، ويرزق إياكم أيها الطالبون الصادقون ما هو متمناكم من مشاهدات الجمال ومكاشفات الجلال والاستغراق في بحر الوصال، وهو السميع لتمني كل متمن، العليم بمطارح نظرهم فيعطي كل متمن على قدر همهم.

ثم أخبر عن سويتهم في الإقرار بوجوده واختلاف طبيعتهم في مطالبة وجوده بقوله تعالى: { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } [العنكبوت: 61] يشير إلى أن بين الخلق في الإقرار بوجود الله وخالقيته سوية، وفي أنوارهم بالتوحيد اختلاف فمنهم من يثبت له الشرك، ومنهم من يثبت له الوحدة وينفي عنه الشركة، ولكل واحد من الفريقين موجب في الإثبات والنفي وموجب للتسوية في الإقرار، فأما موجب التسوية في الإقرار فقولهم: { بَلَىٰ } فتساووا هاهنا بالإقرار بوجود الله وخالقيته، وأما موجب إثبات الوحدة ونفي الشركة فقوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه ذلك النور فقد اهتدى ".

فالإقرار بالوحدة وإثباتها ونفي الشرك من موجبات تلك الإصابة، فأما موجب إثبات الشركة فقوله صلى الله عليه وسلم: " من أخطأ فقد ضل " فإثبات الشركة له من موجبات ذلك الإخطاء وحصول الضلالة، وهذا تحقيق قوله تعالى: { ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } [العنكبوت: 62] بإصابة ذلك النور المرشش { وَيَقْدِرُ لَهُ } بإخطار ذلك النور { إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [العنكبوت: 62] يعلم استحقاق كل طائفة من الفريقين لإصابة رشاش النور وإخطائه وبقوله: { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ } [العنكبوت: 63] يُشير إلى طائفة قد أخطأهم في البداية رشاش النور وإخطائه ذلك، فوقعوا في الضلالة وماتت قلوبهم، فإن الضلالة سم قاتل للقلوب ثم أحياها بنور الإيمان { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } [العنكبوت: 63] سماء الروحانية.

السابقالتالي
2 3 4