الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي ٱلصَّالِحِينَ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَ لَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ }

{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [العنكبوت: 7] أي: أخلصوا قلوبهم لمحبتنا { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [العنكبوت: 7] بجميع وجودهم لبذله في طلب وجودنا { لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } [العنكبوت: 7] لنفنين عنهم سيئاتهم أي: سيئات وجودهم { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ } [العنكبوت: 7] أي لنعطيهم وجوداً حقيقياً { أَحْسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [العنكبوت: 7] بذل وجودهم لنيل وجودنا.

ثم أخبر عن وصية الإنسان لوالديه بالإحسان يقول: { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ } [العنكبوت: 8]، والإشارة في تحقيق الاثنين بقوله: { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً } [العنكبوت: 8]، يشير إلى تعظيم الحق تعالى، وعظيم شأنه وعزة الأنبياء وإعزازهم، وعرفان قدر المشايخ وإكرامهم؛ لأن الأمر برعاية الحق والوالدين المعنيين:

أحدهما: أنهما كانا سبب وجود الولد.

والثاني: أن لهما حق التربية، فكلا المعنيين في إنعام الحق تعالى على العباد حاصل بأعظم وجه، وأجل حق منهما لأن حقهما كان مشوباً بحظ نفسهما وحق الله تعالى منزه عن الشوب، وأنهما وإن كانا سبب وجود الولد لم يكونا مستقلين بالسببية بغير الحق تعالى وإرادته؛ لأنهما كانا في السببية محتاجين إلى مشيئته وإرادته بأن يجعلهما سبباً لوجود الولد، فإن الولد لا يحصل بمجرد سببهما بالنكاح بل تحصيل بمُوهبة الله تعالى.

كما قال:يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ } [الشورى: 49] فالسبب الحقيقي بإيجاد آدم عليه السلام.

وأما الشريعة فنسبتها إلى الله حقيقية بأنه رب كل شيء ومربيه، ونسبتها إلى الوالدين مجازية؛ لأن صورة التربية إليهما حقيقة التربية إلى الله تعالى كما ربى نطفة الولد في الرحم حتى جعلها علقةً ثم مضغة ثم عظاماً ثم كساها اللحم ثم أنشأه خلقاً آخر، والله تبارك وتعالى أعظم قدراً في رعاية حقوقه بالعبودية من رعاية حق الوالدين بالإحسان، وإن الواجب على العبد أن يخرج من عهده حق العبودية بالإخلاص ولا ثَمَّ يحسن بالوالدين.

كما قال تعالى:وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [الإسراء: 23] وأما النبي والشيخ لما كان سبب الولادة الثانية بإلقاء نطفة النبوة والولاية في رحم قلب الأمة والمريد وتربيتها إلى أن يولد الولد عن رحم القلب في عالم الملكوت.

كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم رواية عن عيسى عليه السلام أنه قال: " لم يلج ملكوت السماوات والأرض من لم يولد مرتين " فكانا أحق برعاية الحقوق من الوالدين؛ لأنهما كانا سبب ولادته في عالم الأرواح وأعلى عليين القرب والوالد إن كانا سبب ولادته في عالم الأشباح وأسفل سافلين البعد، ولهذا السر كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما أنا لكم كالوالد لولده " وقد كانت أزواجه أمهات للأمة وقال صلى الله عليه وسلم: " الشيخ في قومه كالنبي في أمته " ولما كان لله تعالى في الإحسان العميم بالعبد والامتنان القديم الذي خصه به قبل وبعد أحق وأولى برعاية حقوقه عن الوالدين.

السابقالتالي
2 3