الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } * { وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ ٱلْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ }

ثم أخبر أن قارون كان نسيب موسى كهارون فأدركت العناية هارون وأدرك الخذلان قارون بقوله تعالى: { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ } [القصص: 76] والإشارة في تحقيق الآيات بقوله: { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ } [القصص: 76] يشير إلى أن قارون النفس من قوم موسى القلب تحقيقه أن الله تعالى جعل النفس تبعاً للقلب وسعادتها في متابعته، وشقاوتها في بغيها عليه وترك متابعته وسبب بغيها قوله: { وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ } [القصص: 76] وكنوزها ما يودع في خزائن صفاتها فإن في خزائن كل صفة من صفاتها كنزاً من خواصها المودعة فيها فبإيتاء الكنوز يشير إلى تهيج دواعيها وغلبات خواصها من البطر والنشاط والغرور، وأما بغيها الإباء والاستكبار والعجب والتمرد عن قبول النصح. { إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ } [القصص: 76] بنو إسرائيل صفات القلب { لاَ تَفْرَحْ } [القصص: 76] بشهوات الدنيا وزينتها { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } [القصص: 76] بها، وإنما يحب من يفرح بإقامة العبودية وطلب السعادة الأخروية، كما قال تعالى:فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } [يونس: 58].

ومن جملة النصيحة قوله: { وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ } [القصص: 77] أي: من الاستعداد الإنساني { ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ } باستعماله في العبودية المأمور بها لنيل السعادة الأخروية الباقية { وَأَحْسِن } يعني: في العبادة بأن تعبد الله كأنك تراه شوقاً إلى لقائه ومن الإحسان أن تطلب الله بجميع مساعيك { كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ } بأن طلبك من العدم ودعاك إلى الوجود بجميع صفاتههَلْ جَزَآءُ ٱلإِحْسَانِ } [الرحمن: 60] طلبه إياكإِلاَّ ٱلإِحْسَانُ } [الرحمن: 60] إحسان طلبك إياه ليحسن إليك في جزاء إحسانك إليه بوجود الوصال والوصول كقوله: " إلا من طلبني وجدني " { وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ } [القصص: 77] أرض الروحانية بما آتاك الله من استعداد الروحاني والإنساني { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ } [القصص: 77] من الصفات النفسانية التي تفسد استعداد الروحانية الإنسانية القابلة لفيض الصفات الربانية.

وبقوله: { قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ } [القصص: 78] يشير إلى أن نظر قارون النفس لقصوره ومناسبة طبعها لا يقع إلا على نفسه وكسبه بمحجوب نظره عن القدرة الإلهية والمواهب الربانية { أَوَلَمْ يَعْلَمْ } [القصص: 78] قارون النفس { أَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ } [القصص: 78] أي: من قبل إهلاكه { مِنَ ٱلْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً } [القصص: 78] في الفساد والإفساد كنمرود { وَأَكْثَرُ جَمْعاً } [القصص: 78] للطاعة والعلم مثل إبليس وأتباعه { وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ } [القصص: 78] عند إهلاكهم كيلا يشتغلوا بالاعتذار، كما قال تعالى:وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } [المرسلات: 36].