الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلْلَّيْلَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ } * { وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } * { وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنَا هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوۤاْ أَنَّ ٱلْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

ثم أخبر عن الليل والنهار أنهما من نعمته وآثار رحمته بقوله تعالى: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ } والإشارة في تحقيق الآيات بقوله: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلْلَّيْلَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } [القصص: 71] يُشير إلى ليل الفراق عند استعلاء ظلمة البشرية أن جعله عليكم سرمداً ولا نهاراً للوصال له إلى يوم القيامة { مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ } [القصص: 71] يخرجكم من ليل الفراق إلى نهار الوصال، وفيه إشارة أخرى وهي أن تعلم أن ليل الفراق ونهار الوصال بإيتاء الحق ليس لغيره تصرف فيهما هو الذي يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل، { أَفَلاَ تَسْمَعُونَ } بسمع الحقيقة لتشكروا الله الذي ينعم عليكم بذهاب ليل الفراق وإيتاء نهار الوصال.

{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ } [القصص: 72] نهار الوصال بطلوع شمس التجلي { سَرْمَداً } لا ليل له { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ } [القصص: 72] ستر { تَسْكُنُونَ فِيهِ } عن وعثاء سطوة التجلي وتستريحون فيه من نصب تحمل أعبائه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مع كمال قوته عند حمل أعباء الوحي لما غلب كان يقول لعائشة رضي الله عنها: " كلميني يا حميراء " وذلك لتخرجه من سطوات الشمس التجلي إلى سر ظل البشرية ليستريح من التعب والنصب وليس هذا الستر من قبيل الحجاب، فإن الستر يكون عقيب التجلي وهو محاب الرحمة والمحبة لا حجاب الرحمة والمحبة، وذلك من جملة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم محمياً به إذ كان يقول: " إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في كل يوم سبعين مرة " به يخبر عن الستر والتجلي وذلك من غاية اللطف والرحمة والحجاب ما يكون العبد محجوباً عن الحق تعالى وذلك من غاية القهر والعزة.

كما قال تعالى في المقهورين:كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } [المطففين: 15] وبقوله تعالى: { أَفلاَ تُبْصِرُونَ } يشير إلى أنكم لا تنظرون ببصر البصيرة أن الجبل لم يستقر مكانه عند سطوة صفة الربوبية وجعله دكاً وخر موسى مع قوة نبوته صعقاً، وذلك التجلي في أقل مقدار طرفة عين، فلم دام كيف يعيش الإنسان الضعيف، وهذا كما أن فلك الشمس تدور في بعض المواضع وجوباً لا غروب للشمس فيه فنهاره من شدته فلا يعيش الحيوان فيه، ولا ينبت النبات فيه من قوة حرارة الشمس فيه، وكذلك يدور فلك الشمس في بعض المواقع بعكس هذا تحت الأرض ليس للشمس طلوع فليله سرمدي لا يعيش الحيوان أيضاً فيه ولا ينبت النبات، فلهذا المعنى قال تعالى: { وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ } [القصص: 73] أي: ليل الستر ونهار التجلي { لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } في ليل الستر لتستريحوا وتسكنوا بسكون حاشتكم { وَلِتَبتَغُواْ } في نهار التجلي { مِن فَضْلِهِ } أي: فضل وصاله وفيه معنى آخر أن تسكنوا إلى الوصال في نهار التجلي نظيره قوله:

السابقالتالي
2