ثم أخبر عن أهل الهداية في الهداية بقوله تعالى: { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } [القصص: 56] يشير إلى أن الهداية في الحقيقة فتح باب العبودية إلى عالم الربوبية وذلك من خصائص قدرة الله تعالى لأن لقلب العبد بابين: باب إلى النفس والجسد وهو مفتوح أبداً وباب الروح في الحضرة وهو مغلوق لا يفتحه إلا الفتاح الذي بيده المفتاح. كما قال تعالى لحبيبه ونبيه صلى الله عليه وسلم:{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً * لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ } [الفتح: 1-2] أي بأن يهديك{ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } [الفتح: 2] إلى الحضرة كما هداه ليلة المعراج إلى أقرب أو أدنى وقال في حق المغلوق أبواب قلوبهم{ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } [محمد: 24] وقال صلى الله عليه وسلم: " قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن يقبله كيف يشاء فإن يشاء أقامه وإن شاء أزاغه " فالنبي صلى الله عليه وسلم مع جلال قدره لم يكن آمناً على قلبه وكان يقول: " يا مقلب القلوب ثبت قلب عبدك على دينك وطاعتك " والهداية عبارة عن تقليب القلب من الباطل وهو ما سوى الله إلى الحق وهو الحضرة فليس هذا من شأن غير الله كما قال تعالى: { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } [القصص: 56] وهم الذين أصابهم رشاش النور المرشش على الأرواح كما قال صلى الله عليه وسلم: " إن الله خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليه من نوره فمن أصابه ذلك النور قد اهتدى ومن أخطأه فقد ضل ". وبقوله: { وَقَالُوۤاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ } [القصص: 57] يشير إلى مقالة النفس وصفاتها تحت القلب لقالوا اتبعنا هدى الله معك نتخطف بجذبات الألوهية من أرضنا أرض الأنانية قال الله تعالى: { أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً } [القصص: 57] في الهوية { يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ } [القصص: 57] أي حقائق كل ثمرة روحانية وجسمانية ولذائذ كل شهوة راجعة إليه إذ هي صارت منه وفي حقيقة لذائذه وإليه يعود { رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا } [القصص: 57] لا من لون المخلوقات { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ } [القصص: 57] أن أكثر الخلق { لاَ يَعْلَمُونَ } [القصص: 57] كمالية ذوق الرزق اللدني كما لا يعلمون أكثر العلماء دون العلم اللدني؛ لأنهم لم يذوقوه ومن يذق لا يدري. ثم أخبر عن هلاك البشر في دعوى البطر بقوله: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ } [القصص: 58]، فيه الإشارة في تحقيق الآيات بقوله: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا } [القصص: 58] يشير إلى قلوب أفسد شعورها عيش النفوس البطرة المتنعمة { فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ } [القصص: 58]، وهي الصدور { لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ } [القصص: 58] أي: من فساد حالهم ما يسكن فيها نور الإسلام { إِلاَّ قَلِيلاً } [القصص: 58] من نور الإسلام، ذلك أن مسكن نور الإسلام الصدر قال تعالى: