الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَـٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { وَلَوْلاۤ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ لَوْلاۤ أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ قَالُواْ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ } * { قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَآ أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

كما قال: { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا } [القصص: 46] يعني حين سأل موسى ربه: إني أرى في التوراة أمة صفتهم كذا وكذا من هم؟ فقال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم حتى سأل عن أوصاف كثيرة وعن الجميع كان يجيب أنه أمة أحمد فاشتاق موسى إلى لقائهم فقال: إنه ليس اليوم وقت ظهورهم فإن شئت أسمعتك كلامهم كما مر ذكره ثم نادى فقال: يا أمة محمد فيه إشارة لطيفة وهي أن الله عز وجل لكرامة محمد صلى الله عليه وسلم وشرفه أخذ الميثاق من موسى للإيمان به في غيبته وفي حضور موسى ما نادى محمداً لأجله بل نادى أمته له ومن عليه باستماع كلامهم إياه وكما نادى موسى في الوجود حاضراً نادى أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهم في العدم غائبين فهو كائن لهم حين لم يكونوا لأنفسهم كما قيل:
كُنْ لي كما كُنْتَ   في حالِ لم أكُنِ
وبقوله { وَلَـٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } يشير إلى أن ما أنعمنا به عليك وعلى أمتك في النداء بجانب الطور مباهاة بك وبأمتك على موسى وأمته لم يكن لكسبكم وسعيكم فيه مساعاً، ولكن كان رحمة خاصة من ربك أي: من كرم ربك ونعمه عليك وعلى أمتك ومن نتائج تلك الرحمة أنه لو لم أسمعهم ندائي وأمتك في العدم بلا هم لم استعدوا لقبول إنذار أمر دعوتك لهم إلى التوحيد في الوجود إذ لم يكونوا متعودين بدعوة الأنبياء ولا بقبول دعوتهم وذلك قوله: { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [القصص: 46] يعني: يتذكرون من خاصة استماع ندائنا واستعداد أجابتنا فيما ناديناهم وإنما أفردهم بالنداء دون محمد صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا محتاجين إلى تصرف خصوصية النداء فيهم لا محمد صلى الله عليه وسلم لكمال استعداده الفطري بخصوصية حبيب الإلهية.

ثم قال: { وَلَوْلاۤ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ } [القصص: 47] أي: مصيبة الجحود في قبول الدعوة إلى التوحيد { فَيَقُولُواْ } بلسان الحال { رَبَّنَا لَوْلاۤ } أي: هلا { أَرْسَلْتَ } نداءك { إِلَيْنَا } أي: إلى أسماعنا ونحن في العدم نستعد لقبول الدعوة في الوجود { فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ } في قبول دعوة نبيك { وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } الذين جعلتهم مستعدين للإيمان وقبول الدعوة وهم في العدم وجواب { لَوْلاۤ } محذوف تقديره لولا أن تقتضي العناية الأزلية في حق هذه الأمة دفع حجتهم علينا ما ناديناهم وهم في العدم وما أسمعناهم نداءنا ولم نوفقهم وهم بلا هم لإجابة ندانا ثم أخبر عمن لم تدركهم العناية في البداية بقوله تعالى: { فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ } [القصص: 48].

والإشارة في تحقيق الآيات بقوله { فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا } [القصص: 48] يشير إلى محمد صلى الله عليه وسلم إنما بعث بعد وصوله إلى مقام العندية واستحقاقه أن يسميه الله الحق وهو اسمه تعالى وتقدس ففيه إشارة إلى كمال فنائه عن أنانيته وبقائه بهوية الحق تعالى وله صلى الله عليه وسلم أن يقول: أنا الحق وإن صدرت هذه الكلمة عن بعض متابعيه فلا عدوان أن يكون من كان صفاته مرآة قلبه في قبول عكس ولاية النبوة إذ كانت محاذية لمرآة قلبه صلى الله عليه وسلم فكان منبع ماء هذه الحقيقة قلب محمد صلى الله عليه وسلم ومظهره لسان هذا القائل بتبعيته

السابقالتالي
2 3