الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ } * { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } * { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ }

{ فَلَمَّآ أَتَاهَا } [القصص: 30] أي: أتى موسى القلب بعد التفريد متوجهاً إلى رتبة التوحيد { نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ } [القصص: 30]، وهو السر { فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ } شجرة الإنسانية { أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } [القصص: 30]، وبقوله: { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ } [القصص: 31] يشير إلى إلقاء كل متوكأ غير الله للسالك { فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً } [القصص: 31] لأنه شاهد أنه ما اتخذ للاتكاء من دون الله هو حية فيها هلاكه فلما ولى عنه: { وَلَمْ يُعَقِّبْ } لم يرجع إلى اتخاذه متكأ راجعاً إلى الله بالكلية نودي موسى القلب، { يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ } [القصص: 31] بعد التولي عنه والرجوع إلى { إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ } [القصص: 31] عن مكائد الخائنين ملتجأ بحضرة رب العالمين.

وبقوله: { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ } [القصص: 32] يشير إلى مسك اليد عن التصرفات في الكونين وقطع التعلق عنها { تَخْرُجْ بَيْضَآءَ } [القصص: 32] نقية من لوث الطمع { مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } [القصص: 32] أي: من غير مضرة يعيبها في ذلك الترك وقطع التعلق عنها { وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ } [القصص: 32] جناح همتك عن طيران شر النفس في طلب صفة الدنيا وعن طيران بازي القلب في طلب طاووس نعيم الآخرة { مِنَ ٱلرَّهْبِ } أي: رهبة من فوات وصلات الحضرة وصلاتها { فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ } في الإعراض عن الدنيا والآخرة { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ } النفس { وَمَلَئِهِ } من الصفات بأن تظفر بهم { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } [القصص: 32]، خارجين عن طاعة الله وعبوديته { قَالَ } موسى القلب { رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً } [القصص: 33] أي: صفة من صفات النفس { فَأَخَافُ } إن رجعت إليهم للدعوة إلى الحضرة أو لإهلاكهم { أَن يَقْتُلُونِ } [القصص: 33] بالاستيلاء والغلبة فإن لهم أعوان من الشيطان والدنيا وإخوان السوء { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً } [القصص: 34] به يشير إلى هارون العقل فإنه معدن الأسرار ومنبع الأنوار { فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي } فيما أقول مع من يكذبني تقوية لي على المكذبين وذلك قوله: { إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } [القصص: 34]، فإن من خاصية تمرد فرعون النفس تكذيب الناطق بالحق، ومن خصوصية هارون العقل تصديق الناطق بالحق.