الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } * { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } * { فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } * { فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَئْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ }

ثم أخبر عن توجه موسى القلب من مدينة البشرية الحيوانية تلقاء مدين الروحانية بقوله تعالى: { وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ } والإشارة في تحقيق الآيات بقوله: { وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ } [القصص: 22] يُشير إلى توجه موسى القلب إلى مدين عالم الروحانية مجتنباً شر فرعون النفس { قَالَ عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } [القصص: 22] { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ } [القصص: 23] من أوصاف الروح { يَسْقُونَ } موسى أخلاقهم من ماء الفيض الإلهي { وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ } [القصص: 23]، وهما السر والخفي وهما ابنتا شعيب الروح في البداية بالتدريج فتنشأ منه الخفي وهو لطيفة ربانية مودعة في الروح بالقوة، فلا يحصل بالفعل إلا بعد غلبات الواردات الربانية ليكون واسطة بين الحضرة والروح في قبول تجلي صفة الربوبية، وإفاضة الفيض الإلهي على الروح فيكون في هذه المدة بمعزل عن الاستيفاء، وكذلك السر وهو لطيفة روحانية متوسطة بين القلب والروح قابلة لفيض الروح مؤدية إلى القلب، وهو أيضاً بمعزل عن استيقاء ماء فيض الروح عند شغل القلب بمعالجات النفس وصلاح القالب إلى حين توجه موسى القلب إلى مدين عالم الروحانية فقال لهما { مَا خَطْبُكُمَا } فارغتين من الاستقاء { قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ } [القصص: 23] وهم صفات الروح ويصرفوا ومواشيهم وهي الصفات الإنسانية عن ماء فيض الإلهي، فإذا صدرت سقينا مواشينا من أوصافه والأخلاق ما أفاضت في حوض القوى { وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } [القصص: 23] وهو شعيب الروح لا يقدر على سقي مواشيه من الأوصاف الإنسانية إلا بالأجر أو الوسائط، وإنا لا نطيق أن نسقي لضعف حالنا { فَسَقَىٰ لَهُمَا } [القصص: 24] أي: سقى موسى القلب لمواشيهما بقوة استنادها من الجسد وقوة استنادها من الروح؛ لأنه متوسط بين العالمين ولهذا سمي قلباً؛ لأنه في طلب العالمين جسماني وروحاني: { ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ } [القصص: 24] إلى ظل العناية فقال: { رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ } [القصص: 24] وهو الفيض الإلهي { فَقِيرٌ } [القصص: 24] فيه إشارة إلى أن السالك إذا بلغ عالم الروحانية لا ينبغي أن يقنع بما وجد من معارف ذلك العالم بل يكون طالباً للفيض الإلهي بلا واسطة { فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ } [القصص: 25] يشير إلى صفوة الخفي وهي بنت شعيب الروح الكبرى منهما { قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا } [القصص: 25] به يشير إلى أن موسى القلب وإن يسلك طريق الوصول إلى صفوة شعيب الروح فإنه لا يصل إليه إلا باستحضاره لديه وهو أيضاً مشتمل من محضري الحق الذي هو مورد الفيض الإلهي وحركاته أيضاً من نتائج الفيض وجذبات الحق تعالى وبقوله: { فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ } [القصص: 25] يشير إلى أن القلب إذا وصل إلى مقام الروح، كما يستفيد من صفات الروح وخواصه كذلك يفيد الروح من خواص صفاته ومما استفاد من النفس وصفاتها، وبقوله تعالى: { قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [القصص: 25] يشير إلى أن القلب مهما يكون في مقام يخاف عليه أن يصيبه آفات النفس وظلم صفاتها.

السابقالتالي
2