وبقوله: { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ } [القصص: 12] يشير إلى أنه لو لم يحرم على موسى القلب المراضع من النفس والهوى بأن أرضعناه { مِن قَبْلُ } أن يقذف في تابوت القالب مار به في بحر الدنيا بلبان الروحانية لقبل ثدي موضعه الحيوانية فلم يرد إلى أم السر، فلما لم يقبل موسى القلب ثدي المرضعات الحيوانية { فَقَالَتْ } أخته العقل { هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } [القصص: 12] { فَرَدَدْنَاهُ } [القصص: 13] بدلالة أخته العقل { إِلَىٰ أُمِّهِ } [القصص: 13] وهي السر { كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا } [القصص: 13] بوجوده وحسن استعداده لقبول الفيض الإلهي { وَلاَ تَحْزَنَ } [القصص: 13] على فوات ولد مثله { وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } لا يجوز فيه الخلف وأن الله لا يخلف الميعاد { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ } [القصص: 13] من النفس والصفات { لاَ يَعْلَمُونَ } [القصص: 13] ولو علموا ما تركوا الموعود الشريف الباقي للنفس الخسيس الفاني { وَلَمَّا بَلَغَ } موسى القلب { أَشُدَّهُ } بآلة بينته وهو استعداد لقبول الفيض { وَٱسْتَوَىٰ } للتوجه إلى الحضرة { آتَيْنَاهُ حُكْماً } [القصص: 14] أي: حكمة وعلماً وفهماً لكلامنا { وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } [القصص: 14] الذين أحسنوا لأنفسهم وأحسنوا في الطلب يجزيهم بالإحسان في العطاء بالأجر العظيم كقوله:{ هَلْ جَزَآءُ ٱلإِحْسَانِ إِلاَّ ٱلإِحْسَانُ } [الرحمن: 60]، وقوله:{ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } [النساء: 40] وقوله:{ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } [يونس: 26] يعني: هذه قضية عامة لا خاصة. ثم أخبر عما قضى { فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ } [القصص: 15] بقوله تعالى: { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ } [القصص: 15] والإشارة في تحقيق الآيات بقوله: { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا } يُشير إلى أن موسى القلب دخل مدينة الإنسانية: { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا } [القصص: 15] وهم الصفات النفسانية ولو لم يكن على حين غفلة من الصفات لما أمكن له الدخول فيها لعداوتها إياه { فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ } أي: صفتين { هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ } أي: من صفات القلب { وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ } أي: من صفات النفس { فَٱسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ } [القصص: 15] القلب بقوة الروحانية { فَقَضَىٰ عَلَيْهِ } أي: عليها وفزع منها وبقوله: { قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } [القصص: 15] يشير أن قبل صفات النفس والجهاد معها إن لم يكن بأمر الله تعالى وسبيل المتابعة يكون من عمل الشيطان و { إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ } ويجب الاستغفار عليه كما قال موسى: { قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي } [القصص: 16] إذ جاهدتها بأمر الشيطان لا بأمرك { فَٱغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } [القصص: 16] لمن يستغفره وتاب إليه.