الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } * { فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَٱسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَٱسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَٱغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }

وبقوله: { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ } [القصص: 12] يشير إلى أنه لو لم يحرم على موسى القلب المراضع من النفس والهوى بأن أرضعناه { مِن قَبْلُ } أن يقذف في تابوت القالب مار به في بحر الدنيا بلبان الروحانية لقبل ثدي موضعه الحيوانية فلم يرد إلى أم السر، فلما لم يقبل موسى القلب ثدي المرضعات الحيوانية { فَقَالَتْ } أخته العقل { هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } [القصص: 12] { فَرَدَدْنَاهُ } [القصص: 13] بدلالة أخته العقل { إِلَىٰ أُمِّهِ } [القصص: 13] وهي السر { كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا } [القصص: 13] بوجوده وحسن استعداده لقبول الفيض الإلهي { وَلاَ تَحْزَنَ } [القصص: 13] على فوات ولد مثله { وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } لا يجوز فيه الخلف وأن الله لا يخلف الميعاد { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ } [القصص: 13] من النفس والصفات { لاَ يَعْلَمُونَ } [القصص: 13] ولو علموا ما تركوا الموعود الشريف الباقي للنفس الخسيس الفاني { وَلَمَّا بَلَغَ } موسى القلب { أَشُدَّهُ } بآلة بينته وهو استعداد لقبول الفيض { وَٱسْتَوَىٰ } للتوجه إلى الحضرة { آتَيْنَاهُ حُكْماً } [القصص: 14] أي: حكمة وعلماً وفهماً لكلامنا { وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } [القصص: 14] الذين أحسنوا لأنفسهم وأحسنوا في الطلب يجزيهم بالإحسان في العطاء بالأجر العظيم كقوله:هَلْ جَزَآءُ ٱلإِحْسَانِ إِلاَّ ٱلإِحْسَانُ } [الرحمن: 60]، وقوله:وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } [النساء: 40] وقوله:لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } [يونس: 26] يعني: هذه قضية عامة لا خاصة.

ثم أخبر عما قضى { فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ } [القصص: 15] بقوله تعالى: { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ } [القصص: 15] والإشارة في تحقيق الآيات بقوله: { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا } يُشير إلى أن موسى القلب دخل مدينة الإنسانية: { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا } [القصص: 15] وهم الصفات النفسانية ولو لم يكن على حين غفلة من الصفات لما أمكن له الدخول فيها لعداوتها إياه { فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ } أي: صفتين { هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ } أي: من صفات القلب { وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ } أي: من صفات النفس { فَٱسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ } [القصص: 15] القلب بقوة الروحانية { فَقَضَىٰ عَلَيْهِ } أي: عليها وفزع منها وبقوله: { قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } [القصص: 15] يشير أن قبل صفات النفس والجهاد معها إن لم يكن بأمر الله تعالى وسبيل المتابعة يكون من عمل الشيطان و { إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ } ويجب الاستغفار عليه كما قال موسى: { قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي } [القصص: 16] إذ جاهدتها بأمر الشيطان لا بأمرك { فَٱغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } [القصص: 16] لمن يستغفره وتاب إليه.