الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ } * { وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ ٱلْبَلْدَةِ ٱلَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { وَأَنْ أَتْلُوَاْ ٱلْقُرْآنَ فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُنذِرِينَ } * { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

{ مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ } [النمل: 89] من أهل السعادة { فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا } [النمل: 89] من حسنات يجازيهم بها في الدنيا والآخرة كما هدى الخلق إلى طلبها بقول { رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً } [البقرة: 201] وهي استعمالهم في أحكام الشريعة على وفق آداب الطريقة بتربية أرباب الحقيقة وفي الكثرة حسنة وهي الانتفاع من عالم الحقيقة انتفاعاً أبدياً سرمدياً.

{ وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ } [النمل: 89] لأنهم لا يحزنهم الفزع الأكبر وذلك لأنهم أصيبوا بفزع المحبة فحوسبوا عن فزع يومئذ { وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ } [النمل: 90] وهي حب الدنيا الذي يعمي ويصم أهلها من طلب الحق فيقطع طريق الطلب على طالبي الحق تعالى { فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ } [النمل: 90] نار القطيعة وقيل لهم: { هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [النمل: 90] يعني طلب الدنيا فإنها مبنية على وجه جهنم ودركاتها.

وبقوله: { إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ ٱلْبَلْدَةِ ٱلَّذِي حَرَّمَهَا } [النمل: 91] يشير إلى أن العبد مأمور بعبادة رب بلدة القلب فإنه هو الله رب العالمين إلا بعبادة رب بلدة القالب فإنه هي النفس الأمارة التي حرمها أي حرم بلدة القلب على الشيطان أن يدخلها ولهذا قال:يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } [الناس: 5] لأنه لا مدخل له في القلب { وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ } من أسباب الألوهية والربوبية.

وبقوله: { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [النمل: 91] يشير إلى أن المسلم الحقيقي من يكون إسلامه في استعمال الشريعة مثل استعمال النبي صلى الله عليه وسلم نظيره قوله تعالى:وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } [الأنعام: 163]، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " صلوا كما رأيتموني أصلي " يعني في الظاهر ولو قال: صلوا كما أنا أصلي لا أحد يقدر على ذلك لأنه كان يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء وكان في صلاته يرى من خلفه كما يرى من أمامه { وَأَنْ أَتْلُوَاْ ٱلْقُرْآنَ فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ } [النمل: 92] أي بتلاوة القرآن وباستماعه { وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُنذِرِينَ } [النمل: 92] فيه إشارة إلى نور القرآن يربي جوهر الهداية والضلالة في معدن قلب الإنسان السعيد أو الشقي، كما يربي ضوء الشمس الذهب والحديد في المعادن يدل عليه قوله تعالى:يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً } [البقرة: 26] وقال صلى الله عليه وسلم: " الناس معادن كمعادن الذهب والفضة " { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ } على ما هداني بالقرآن { سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا } أي لو لم يكن الله أن يريكم آياته فتعرفون أنتم بنظركم { وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } [النمل: 93] كل طائفة من أهل السعادة والشقاوة بل هو الذي خلقهم وخلق منهم أعمالهم كما قال تعالى:خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } [الصافات: 96] كأنه قال تعالى خلق الشجرة وخلق فيها ثمرتها كما قدر لها لقوله تعالى:وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ } [الأعراف: 58].