الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ ٱلأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ } * { وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُو قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً أَمَّا ذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { وَوَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيهِم بِمَا ظَلَمُواْ فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ } * { أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا ٱلْلَّيْلَ لِيَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ } * { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ }

ثم أخبر عن أمارة الساعة بإخراج الدابة بقوله تعالى: { وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم } [النمل: 82] الإشارة في تحقيق الآيات بقوله: { وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ ٱلأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ } [النمل: 82] يشير إلى أن قوماً اختصوا بقول { يُحِبُّهُمْ } ، وإن جعلوا خليعي العذار في المراتع البهيمية قبل البلوغ لاستكمال القالب، فلما بلغوا الأوان بقابلية قول { يُحِبُّهُمْ } { وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم } واستعدوا للكمالية { وَيُحِبُّونَهُ } { أَخْرَجْنَا لَهُمْ } من تحت أرض البشرية دابة تكلمهم وهي النفس الناطقة والروح الإنساني مختلفة لا سيما وكانت موصوفة بصفة الصمم والبكم والعمى بتبعية النفس الأمارة فلما تداركتها العناية الأزلية أخرجتها من تحت أرض صفات البشرية الذميمة فتكلم القلب والقرآن أن شريعتي الصفات النفسانية كما مر { كَانُوا بِآيَاتِنَا } بالدلائل.

{ لاَ يُوقِنُونَ * وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ } [النمل: 82-83] يشير إلى حشر بعض صفات الروح والقلب بعد موتها غلبات النفس وصفاتها عليها وربما يموت الروح والقلب بجميع صفاتها يدل عليه قوله تعالى:إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ } [النمل: 80] وقوله:أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ } [الأنعام: 122] فإذا وقع قول { يُحِبُّهُمْ } بملازمة الذكر على تلك الصفات يحييها بنور المحبة ونور الذكر فوجاً بعد فوج فمتى يكذب بآياتنا لاتصافها بصفات النفس الحيوانية { فَهُمْ يُوزَعُونَ } يجمعون حتى يحييهم الله جميعاً { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُو } [النمل: 84] أي: إذا رجعوا إلى الحضرة { قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً أَمَّا ذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [النمل: 84] أي: بأي عمل صرتم مكذبين آياتي بعد إذ كنتم مصدقيها عند خطابأَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [الأعراف: 172] في جواب { بَلَىٰ } { وَوَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيهِم } أي: وجب عليهم الصم والبكم والعمى { بِمَا ظَلَمُواْ } حين كانوا خلائف العذاب في المراتع الحيوانية لاستكمال القالب ظلموا على القلب والروح باتباعهما للنفس واستعمالهما في مصالحهما، وذلك كان سبب فساد حالهما { فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ } لفساد استعداد النطق.

وبقوله: { أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا ٱلْلَّيْلَ لِيَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً } [النمل: 86] يشير إلى أنه تعالى كما جعل الليل في عالم الصورة سبب السكون والاستراحة والنهار سبب تحصيل المعاش والمنافع، أو لم يروا ببصر البصيرة أنه جعل ليل البشرية سبب استجمام القلب والروح واستراحتهما لحمل أعباء الأمانة وتحمل ثقل القول الثقيل كما قال تعالى لنبيه:إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } [المزمل: 5] وهو يقول: " كلميني يا حميراء " طلباً للستر بعد التجلي وجعل نهار الروحانية بتجلي شمس الربوبية مشرقاً يبصر به الحق والباطل ويكاشف به أنواع المعارف { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ } دلالات إلى المعارف { لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } إيماناً عياناً.

وبقوله: { وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } [النمل: 87] يشير إلى نفخ إسرافيل المحبة في صور القلب { فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } الروح وهم الصفات الروحانية { وَمَن فِي ٱلأَرْضِ } البشرية وهم الصفات النفسانية الحيوانية وهي النفخة الأولى في بداية تأثير العناية للهداية وإلقاء المحبة التي تظهر القيامة في شخص المحبة، وفزعت الصفات هيجانها للطلب بتهيج أنوار المحبة { إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } فالمستثنى هو الخفي وهو لطيفة مودعة في الروح قابلة لتجلي صفات الربوبية، وإنما سميت خفياً لخفائها في الروح بالقوة، وإنما يحصل بالغفل عنه عند طلوع سموش الشواهد وآثار التجلي فلا يصيبه الفزع بالنفخة الأولى، ولا تدركه الصعقة بالنفخة الثانية { وَكُلٌّ أَتَوْهُ } أي: كل الصفات تهيج عند سطوة آثار المحبة متوجهين لطلب الحق تعالى { دَاخِرِينَ } صاغرين ذليلين مطيعين.

السابقالتالي
2