كما قال تعالى: { وَإِنَّهُ } [النمل: 77] يعني القرآن { لَهُدًى } إلى الله ما لا يهدي إليه كتاب آخر { وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤمِنِينَ } أي: هذه الهداية رحمة خاصة لهذه الأمة أعني المؤمنين منها { إِن رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم } [النمل: 78] أي: بين هذه الأمة وبين أمة كل نبي { بِحُكْمِهِ } أي: بحكمه بأن يبلغ متابعي كل نبي إلى مقام نبيهم تبعا لهم ويبلغ متابع نبينا بتبعية إلى مقام مخصوص به من الأنبياء وهو مقام الحبيبية يدل عليه قوله تعالى:{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } [آل عمران: 31]، { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } الذي لعزته لا يهدي كل متمنٍ إلى مقام حبيبيته { ٱلْعَلِيمُ } الذي هو العالم بمستحق هذا المقام. { فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } [النمل: 79] وثق به { إِنَّكَ عَلَى ٱلْحَقِّ } في دعوة الخلق إلى الله { ٱلْمُبِينِ } أي: إنك المبين فيما تهدي إلى طريق الوصول والوصال ولكن { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ } [النمل: 80] الذين أمات الله قلوبهم بحب الدنيا، { وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ } الذي أصمهم بحب الشهوات، فإن حبك الشيء يعمي ويصم { إِذَا وَلَّوْاْ } أي: أعرضوا عن الحق { مُدْبِرِينَ } إلى الباطل غلب بقدر أن نهديهم للرشد وفقدهم عن سر النفس { وَمَآ أَنتَ بِهَادِي ٱلْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ } تهديهم من حيث الدعاء والدلالة، ولكن لا تهدي واحداً من حيث إحياء القلب بنور العرفان وإزالة الصمم والعمى بنور الإيمان { إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا } أي: لا تسمع إلا من أسمعناه من حيث إحياء قلوبهم وأرشدناهم إلى طريق الطلب ووفقناهم لاحتمال التعب { فَهُم مُّسْلِمُونَ } أي: مسلمو الأحكام الأزلية.