الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ } * { أَمَّن جَعَلَ ٱلأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱلله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلأَرْضِ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } * { أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ تَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

ثم أخبر عن حقائق الخلائق بقوله تعالى: { أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } [النمل: 60] والإشارة في تحقيق الآيات بقوله: { أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } [النمل: 60] يشير إلى خلق سماوات القلوب والأرض النفوس { وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [النمل: 60] سماء القلب { مَآءً } [النمل: 60] ماء نظر الرحمة { فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ } [النمل: 60] من العلوم والمعاني والأسرار والحكم البالغة { مَّا كَانَ لَكُمْ } [النمل: 60] أي: ما كان من الاستعداد الإنساني { أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا } لو لم يكن ماء نظر رحمتنا وخصوصية آياتنا به { شَجَرَهَا أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ } [النمل: 60] من الهوى { بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ } [النمل: 60] أرباب النفوس يميلون عن الحق.

{ أَمَّن جَعَلَ ٱلأَرْضَ } [النمل: 61] أرض النفس { قَرَاراً } في الجسد { وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً } من دواعي البشرية { وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ } من قوى البشرية والحواس { وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ } [النمل: 61] وهما بحر الروح وبحر النفس { حَاجِزاً } وهو القلب لئلا يختلطا، فإن في اختلاطهما فساد حالهما { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱلله } [النمل: 61] من الطبيعة كما زعم الطبائعية ليدبر أمر القالب والروح على وفق الحكمة { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } كمال قدرة الله وحكمته واستغنائه عن الشريك { أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ } [النمل: 62] والمضطر هو المقدورات لها من قدر الله خلقها ولا يقدر على إيجادها غيره، فهي تضطر إلى أن تدعو الله بلسان الحاجة في إيجاده فيجيبه بإخراجه عن العدم إلى الوجود { وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ } من العدم.

{ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلأَرْضِ } [النمل: 62] أي: مستعدين لخلافته في الأرض فتعمرون الدنيا وتزينونها بأنواع الصنائع والحرف واستخراج الجواهر من المعارف وغرس الأشجار واتخاذ الأطعمة المتلونة والأشربة المتنوعة والأدوية والمعاجين المختلفة لإزالة الهلاك وللأرض بالعلاج الصالح { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ } ليكون له خلق أمثالكم { قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } [النمل: 62] أي: قليلاً منكم من يتذكر ويفهم معنى الخلافة ويقوم بشرائطها { أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } [النمل: 63] يُشير إلى بر البشرية وبحر الروحانية ولهما ظلمات الخلقية وإن كانت الروحانية نورانية بالنسبة إلى ظلمة البشرية ومعنى الآية { أَمَّن يَهْدِيكُمْ } [النمل: 63] بإخراجكم من ظلمات البشرية إلى نور الروحانية وظلمات الخليقة الروحانية إلى نور الربوبية غير الله يدل على هذا المعنى قوله:ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [البقرة: 257] { وَمَن يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ } رياح العناية { بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } أي: سحاب الهداية التي فيها مطر الرحمة، { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ } [النمل: 62] ليرسل الرياح كما أرسلها الله أو يكون شريكاً له في إرسالها { تَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } جماعة يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا يثبتون لله شريكاً من الأنواء.