الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ طسۤ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ } * { هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُم بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ وَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ } * { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ }

{ طسۤ } [النمل: 1] يشير بطائه إلى طيب قلوب محبيه وبالسين إلى سرٍّ بينه وبين قلوب محبيه لا يسعهم فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وأيضاً يقسم بطاء طلب قلوب طالبيه وسين سلامة قلوبهم عن طلب ما سواه { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْقُرْآنِ } [النمل: 1] أي: بدلالات القرآن وشواهد أنواره { وَكِتَابٍ مُّبِينٍ } وكتاب فيه بيان كيفية السلوك وطريق الوصول بجذبة طالبيه كما قال: " إلا من طلبني وجدني " من طلبني بدلالات القرآن وجدني بالعيان، فإن القرآن { هُدًى } [النمل: 2] أي: هادياً إلى الله { وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } بالوصول إلى الله بهدايته { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ } [النمل: 3] يديمون بالمواصلات ويستقيمون في المعارج بحقائق الصلاة لنيل القربات { وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } [النمل: 3] ويؤدون عن أموالهم وأحوالهم وسكناتهم وحركاتهم الزكاة بما يقومون في حقوق المسلمين أحسن مقام، وينوبون عن ضعفائهم أحسن مناب.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ } [النمل: 4] يشير به إلى أن الذين لا يؤمنون بالآخرة لا يؤمنون لأنا { زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ } الدنيوية وحركاتهم النفسانية الحيوانية في أعين نفوسهم فعميت عيون قلوبهم عن رؤية الآخرة ونعيمها؛ لأن عمى القلوب مودعة في بصارة النفوس وعمى النفوس مودعة في بصيرة القلوب، فصمت أذان قلوبهم حين عميت عيون قلوبهم فلم يسمعوا دعوة الأنبياء بسمع القبول، فلم يؤمنوا وذلك لأن لصورة الإنسان آلة للبصر دون آلة السمع فيحتمل أن تختل آلة البصير فلا يرى بها شيئاً، وتكون آلة السمع بحالها فيسمع بها ولكن معنى الإنسان ملكوتي لا يحتاج إلى آلة البصر والسمع؛ لأنه بالصفة التي يبصر أيضاً يسمع وبها يتكلم وبها يعقل وبها يفقه، وإن أثبت الله له آلات السمع والبصر والفقه والعقل كما أثبت للصورة، ولكن أثبت لفهم الكلام.

ثم بالإشارة بين أنها واحدة بقوله تعالى:وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ } [الأعراف: 179] ثم أشار بقوله تعالى:صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } [البقرة: 171] ليعلم أنه لا يكون في عالم المعنى أعمى وإلا يكون أصم وأبكم تفهم إن شاء الله تعالى، وبهذا المعنى أشار إليه صلى الله عليه وسلم بقوله: " حبك الشيء يعمي ويصم فبحب الدنيا عميت عين القلب وصمت أذنه ".

كما قال تعالى:فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } [الحج: 46] ثم اعلم أن من لم يعالج عمى قلبه بأدوية الشريعة وصفة الطريقة؛ ليرى علم الحقيقة هاهنا لا يقبل على العلاج والتداوي في الآخرة.

كما قال تعالى:وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً } [الإسراء: 72] يعني عن رؤية عالم الحقيقة والوصول إليه، فهم يعمهون في الدنيا يتحيرون في عالم الحواس لا يهتدون إلى عالم الملكوت وفي الآخرة يترددون في نار جهنم

السابقالتالي
2