الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ } * { وَلَوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا سُبْحَانَكَ هَـٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } * { يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { وَيُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَاحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

بقوله تعالى: { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [النور: 14] يشير إلى أن أهل العناية في الأزل المنظورين من الفضل والرحمة لا يتغير في أحوالهم، وإن يجري الله عليهم الجرائم العظام الموجبة للعذاب العظيم في الدنيا والآخرة.

أما في الدنيا: فيحرقهم بنار الغيرة ويهلكهم للغيرة ويهلكهم للعبرة.

وأما في الآخرة: فيهلكهم بنار القطيعة ويهلكهم بالإبعاد عن الحضرة، ولولا أن الله ينتقم لأوليائه ما لا ينتقم لنفسه لعله لم يذكر هذه المبالغة في أمرهم فإن الذي يقول الأجانب والكفار في وصف الحق حرمه فذلك عظيم عند الله، { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ } [النور: 15] من عزة الرسول وحرمة حرمه { وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً } هتك ستر حرمه { وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ } [النور: 15].

{ وَلَوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ } [النور: 16] من حيث الإفك هلا { قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا } [النور: 16] ولا يجوز لنا أن نظن بمثل هذا { سُبْحَانَكَ } تنزيهاً لحرم النبي صلى الله عليه وسلم { هَـٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } عند الله التقاول به { يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ } [النور: 17] فضلاً منه ورحمة إذا اقتصر في مجازاتكم على الموعظة { أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [النور: 17] فيه إشارة إلى أن العود إلى مثل هذا يخرجهم عن الإيمان { وَيُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ } [النور: 18] أي: العلامات على خروج الإيمان ببسط اللسان في عائشة رضي الله عنها بعد هذا { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بمن يدعي الإيمان ظاهراً وهو الظاهر في السر { حَكِيمٌ } فيما قضى وقدر لعباده المؤمنين والكافرين.

ثم أخبر عن تهديد المعاندين الغافلين بقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَاحِشَةُ } [النور: 19] يشير إلى غاية كرم الله ورحمته وفضله على عباده بأن هذا الصنيع ذكره من هؤلاء ليس من صنيع أهل الإيمان، فإن صنيع أهل الإيمان ما قال صلى الله عليه وسلم: " المؤمن للمؤمنين كالبنيان يشد بعضه بعضاً " وقال: صلى الله عليه وسلم: " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كنفس واحدة إذا اشتكى عضو منها تداعى سائر الجسد بالحمى والسهر ".

وقال صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " ومن أحب إشاعة الفاحشة { فِي ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ليس من الإيمان في شيء وإن لهؤلاء في استحقاق الذمِّ أقبحُ منزلةً، وأشدّ وِزْراً حيث أحبوا افتضاح المسلمين، ومن أركان الدين مظاهرةُ المسلمين، وإعانةُ أولي الدِّين، وإرادةُ الخير لكافة المؤمنين، والذي يودُّ فتنةً للمسلمين فهو شرُّ الخَلْق، ثم مع هذه الأوصاف التي هي في غاية الذمامة واستحقاقهم العذاب { أَلِيمٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } فالله يفصل بينهم ويرحمهم ويزكيهم عن أوصافهم الذميمة.

السابقالتالي
2