الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ } * { قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ ٱلْعَآدِّينَ } * { قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } * { فَتَعَالَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ } * { وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ } * { وَقُل رَّبِّ ٱغْفِرْ وَٱرْحَمْ وَأنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ }

ثم أخبر عن أحوال أهل الأهوال بقوله تعالى: { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ } [المؤمنون: 112] يشير إلى أن ما ترى الخلق من أهوال القيامة وأفزاعها فينسون ما رأوا من الراحات والشدائد، مرة مقامهم تحت الأرض من أهوال يوم الفزع الأكبر حتى يخفى عليهم كما لبثوا { قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ ٱلْعَآدِّينَ } [المؤمنون: 113] الذين يعدون أنفاسنا وأيامنا وليالينا من الملائكة الموكلين علينا (العَادِّينَ) يعني الملائكة قالوا: { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً } [المؤمنون: 114] بالنسبة إلى لبثكم في الجنة أو في النار أبد الآبدين { لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [المؤمنون: 114] أنه لا نهاية للبثكم فيها لأصلحتم أعمالكم التي تقربتم بها إلى الله تعالى.

{ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً } [المؤمنون: 115] أي: خلقناكم بلا معنى يضركم أو ينفعكم حتى عشتم كما تعيش البهائم فما تقربنا إلينا بالأعمال الصالحة، { وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } [المؤمنون: 115] باللطف أو القهر، فالرجوع باللطف أن تموتوا بالموت الاختياري من قبل الموت الاضطراري فيرجعوا من أسفل الطبيعة على قدمي الشريعة والطريقة إلى أعلى عليين عالم الحقيقة والرجوع بالقهر هو أن يرجعوا بعد الموت الاضطراري فتقادون إلى النار بسلاسل تعلقاتكم بشهوات الدنيا وزينتها وأغلال صفاتكم الذميمة.

{ فَتَعَالَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ } [المؤمنون: 116] بنعوت الجلال، متوحد في إعزازه وعلو أوصافه وعظمة ذاته متفرد، فذاته حق وصفاته حق وقوله صدق ولا يتوجب لمخلوق عليه حق وما يفعل من أشياء بعباده فليس شيء منها بمستحق { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ } ما يحمد بالعرش ولكن يعزز العرش إلى أنه أضافه إلى رحمانيته إضافة خصوصية وإنما وصف العرش بالكريم لأنه تقسيم فيض كرم الحق ومنه تنقسم آثار الكرم والرحمة إلى ذرات المخلوقات.

{ وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } [المؤمنون: 117] يشير إلى أن من يعبد الله حق عبادته يتقرب إليه حق تقربه بتقرب الله إليه بشواهد فضله وبراهين معرفته فإذا عبد غير الله تقرب إليه بأنواع التقربات لا بتقرب معبوده إليه بشاهد حق ولا برهان صدق على إلهيته { فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ } بأن يظهر عليه عند المؤاخذة بالعقاب { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ } من عذابه.

{ وَقُل رَّبِّ ٱغْفِرْ وَٱرْحَمْ } [المؤمنون: 118] الخطاب مع محمد صلى الله عليه وسلم يشير إلى أنه مع كمال محبوبيته وغاية خصوصيته ورتبة نبوته رسالته محتاج إلى مغفرته ورحمته فكيف من دونه { وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـهَا آخَرَ } [المؤمنون: 118] وبقوله تعالى: { وَأنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ } [المؤمنون: 118] يشير إلى أنه يحتمل تغير كل راحم بأن يسخط على مرحومه فيعذبه بعد أن يرحمه وأن الله جل ثناؤه إذا رحم على عبد لم يسخط عليه أبداً لأن رحمته أزلية لا تحتمل التغيير.