الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } * { فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } * { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } * { أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } * { قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ }

ثم أخبر عن ابتغاء الأنساب يوم الحساب بقوله تعالى: { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } [المؤمنون: 101] يشير إلى نفخة العناية الربانية إذا نفخت في صور القلب قامت القيامة وانقطعت الأنساب فلا يلتفت إلى أحد من أنسابه ولا إلى أهل ولا إلى ولد؛ لاشتغاله بطلب الحق واستغراقه في بحر المحبة، فلا يسأل بعضهم بعضاً عما تركوا من أسباب الدنيا ولا إلى ولد لاشتغاله ولا عن أحوال أهاليهم وإخوانهم وأوطانهم إذا فارقوها؛ لأنلِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [عبس: 37] عن مطالبة الغير { فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ } [المؤمنون: 102] في طلب الحق سبحانه { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } في الطلب بفوز المطلوب ونيل المقصود.

{ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ } [المؤمنون: 103] عن الطلب وقع عليه طريق الحق بنوع من التعلقات ورجوعه قهقرى { فأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } [المؤمنون: 103] بإبطال استعداد الطلب وإفساده، فإن الإنسان كالبيضة مستعدة لقبول تصرف ولاية الدجاجة وخروج الفرُّوج منها، فما لم تتصرف فيه الدجاجة يكون استعداده باقياً، فإذا تصرفت الدجاجة فيه فتغير حاله إلى حال الفروجية، ثم إذا انقطع تصرف الدجاجة تفسد البيضة فلا ينفعها الصرف بعد ذلك لفساد والاستعداد؛ ولهذا قال المشايخ: مرتد الطريقة شر من مرتد الشريعة، وبهذا يكون معنى قوله تعالى: { فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } [المؤمنون: 103] أي: في جهنم أنفسهم فلا يخرجون حيث { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ } [المؤمنون: 104] أي: نار القطيعة.

{ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } [المؤمنون: 104] عابسين عبوس المنقطعين عن مطالبهم المبعدين عن مقاصدهم يقال لهم: { أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُم } [المؤمنون: 105] أي: ألم يكن النصحاء يثبتون لكم بالدلائل الواضحة والنصائح الصادقة كيفية الطريق وسلوكه وكمالية الوصول إلى الحضرة { فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } [المؤمنون: 105] وفي عالم الطبيعة الحيوانية ما يكون قالوا: { قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا } التي كتبت علينا وقدرتها، { وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ } [المؤمنون: 106] بإضلالك عن طريق الطلب حيث أخطأنا النور المرشرش في عالم الأرواح وإصابة غيرنا.