وفيه أنموذج من البعث، وذلك لعلموا { بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ } [الحج: 6] في الإلهية { وَأَنَّهُ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ } [الحج: 6] كما أحيى ميتة الأرض الهامدة، وأنه على كل شيء قدير { وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا } [الحج: 7] وهي أوان البعث { وَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي ٱلْقُبُورِ } [الحج: 7] فيه إشارة إلى: إنه تعالى باعث كل [مقبور] مقدر له بالخروج من قبور العدم. ثم أخبر عن حرج ضلال أهل الجدال بقوله تعالى: { ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى } [الحج: 8] يشير إلى أن من الذاكرين من يجادل في معرفة الله، ودفع الشبهة، وبيان الطريق إلى الله تعالى بالعلم بالله عز وجل، وهدى بنبيه صلى الله عليه وسلم ويشاهد نص { وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } [الحج: 8] يظهر بنوره الحق من الباطل، فهو محمود كما أن جدال المنافق والمرائي، وأهل الأهواء والبدع المتكبر { ثَانِيَ عِطْفِهِ } [الحج: 9] عن الحق فيضل { لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [الحج: 9] في عاقبة أمره، ويضل الخلق بالشبهات والتمويهات مذموم { لَهُ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ } [الحج: 9] عند أهل البصيرة. وبقوله تعالى: { وَنُذِيقُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } [الحج: 9] يشير إلى أن الأهواء والبدع{ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } [الفرقان: 43] من أهل المعاصي عذاب الحريق في الدنيا بنار الشهوات وعقائد السوء، ولكنه نائم بنوم القطيعة لا يذوق ألم الحرقة، فإذا مات انتبه ويذيقه الله ألم عذاب الحريق، ويقول الله تعالى: الغافل الساهي ذلك بما قدَّمت يداك تتبع الشهوات، أو استيفاء اللذات وأكل الحرام كقوله تعالى:{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } [النساء: 10]، وقال الله للنبي صلى الله عليه وسلم: " حفت النار بالشهوات " { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [آل عمران: 182] بل العبيد ظلاَّمون لأنفسهم كما قال الله تعالى:{ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [العنكبوت: 40] بأن يضعوا العبادة والطلب في غير موضعه.