الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَٱلصَّٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ وَٱلْمُقِيمِي ٱلصَّلَٰوةِ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ } * { وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ }

ثم وصفهم فقال: { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } [الحج: 35] والوجل عند الذكر على حسب تجلي الحق للقلب { وَٱلصَّٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ } [الحج: 35] أي: الجامدين تحت جريان الحكم من غير استكراه، ولا تمني خَرْجةٍ، ولا زَوْمِ فُرْجةٍ، بل يستَسلِمُون طوعاً، وأيضاً الحافظين مع الله تعالى أسرارهم لا يطلبون الشكور باطلاع الخلق على أحوالهم.

وقوله تعالى: { وَٱلْمُقِيمِي ٱلصَّلَٰوةِ } [الحج: 35] أي: المديمي النجوى مع الله؛ لقوله تعالى:هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ } [المعارج: 23] قال شاعرهم:
إذا ما تمنى الناس راحة وراحة   تمنيت أن أشكو إليك ولا تسمع
{ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ } [الحج: 35] أي: ما رزقوا من الوجود بذلوا ما رزقوا بالجود، وأنفقوا على طلاب المقصود.

ثم أخبر عن نظائر الشعائر بقوله تعالى: { وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } [الحج: 36] يشير إلى: قربان بهيمة النفس عند كعبة القلب، وأنه من أعلام دين الله، وشعار أهل الصدق في الطلب، وأن الخير في قربانها وذبحها بسكين الصدق.

وقوله تعالى: { فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ } [الحج: 36] أي: تقربوا بذبحها إلى الله تعالى صافية خالصة لا للدنيا وتمتعاتها، ولا للآخرة ونعيمها على قراءة من قرأ صوافي قرأ أبي والحسن والمجاهد صوافي بالياء؛ أي: صافية خالصة لله تعالى، وفيه إشارة أخرى: وفي أن وفد الله وزواره لا يصلون إلى كعبة الوصال إلا بعد ذبح النفس في منى المنى { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } [الحج: 36] أي: ماتت النفس على طبيعتها { فَكُلُواْ مِنْهَا } [الحج: 36] أي: فانتفعوا بها { وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ } [الحج: 36] أي: الذي يقنع بما أعطيته { وَٱلْمُعْتَرَّ } [الحج: 36] أي: الذي هو طالب صادق متعطش لا يروى مما نسقيه ويستزيد منك مما قيل:
شربت الحب كأساً بعد كأسٍ   فما نفذ الشراب وما رويت
وبقوله تعالى: { كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [الحج: 36] يشير إلى أن ذبح النفس بسكين الصدق وتوفيق الله تعالى، وذلك نعمة منه موجبة للشكر له وبقوله تعالى: { لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا } [الحج: 37] يشير إلى أن المقصود من ذبح الذبح ليس مطلق ذبحها بكثرة المجاهدة، فإنه لا يقبل مطلق الذبح { وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ } [الحج: 37] أي: يقبل خلوص نيتكم في ذبحها تقرباً إليه { كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ } [الحج: 37] أي كذلك سخرها لذبحكم إياها { لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ } [الحج: 37] أي: لتعظموا الله في الطلب على غيره من النفس وهواها والدنيا وشهواتها؛ إذ ذلكم على ذبح النفس.

ثم قال تعالى: { وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ } [الحج: 37] أي: الذين يعبدون الله كأنهم يرونه واختاروا طلب الله ورضاه على النفس والدنيا وما سواه { إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } [الحج: 38] أي: يدافع خباثة النفس وهواها، وبقوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } [الحج: 38] يشير إلى أن مدافعة خباثة النفس عن أهل الإيمان إنما كان لإزالة الخباثة وكفران النعمة؛ لأنه لا يحب المتصفين بها، وأنها تحب المؤمنين المخلصين عنها.