الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ } * { حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } * { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ } * { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } * { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ }

ثم أخبر عن تعظيم حرمات الله في ذات الله بقوله تعالى: { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ } [الحج: 30] يشير إلى أن تعظيم حرمات الله تعالى هو تعظيم الله في ترك ما حرَّمه الله عليه، وتعظيم ما أمره الله تعالى بالطاعة يصل العبد إلى الجنة، وبالحرمة يصل إلى الله تعالى، ولهذا قال: { فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ } [الحج: 30] يعني: تعظيم الحرمة خير للعبد في التقرب إلى الله تعالى من تقربه بالطاعة، ويقال: ترك الطاعة يوجب العقوبة، وترك الحرمة يوجب الفرقة، ويقال: كل شيء من المخالفات؛ فللعفو فيه مساغ، وللعمل فيه طريق، وترك الحرمة على خطر ألاَّ يغفر ذلك، وذلك بأن يؤدي شؤمه بصاحبه أن يختل دينه وتوحيده.

وبقوله: { وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ } [الحج: 30] يشير إلى أن استعمال البهيمة فيما مسَّت إليه الحاجة الإنسانية حلال ولا يقطع الطريق على السالك { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } [الحج: 30] في القرآن وهو قوله تعالى:وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ } [الأعراف: 31] وفي حديث فيه في وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، فاجتنبوا الرجس من الأوثان " ؛ أي: واجتنبوا رجس كل ما اتخذه هواكم معبوده من شهوات الدنيا والآخرة والوثن الحقيقي لكل أحد نفسه { وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ } [الحج: 30] وهو قوله باللسان مما لا يساعده قول القلب، ومن عاهد الله بقلبه في صدق الطلب ثم لا يفي ذلك فهو من جملة الزور { حُنَفَآءَ } [الحج: 31] لله ما يلين إلى الحق من الباطل في القلب، وفي النفس، وفي الجهر، وفي السر، وفي الأفعال، وفي الأحوال، وفي الأقوال مستقيمين عليه؟

{ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } [الحج: 31] في طلب بما سوى الله { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ } [الحج: 31] أي: يطلب غير الله { فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } [الحج: 31] أي: سقط من سماء القلب { فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ } [الحج: 31] الشيطان والهوى ويهويان به في أسفل سافلين أبعد { أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرِّيحُ } [الحج: 31] ريح القهر والخذلان { فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } [الحج: 31] بعيد من الحق سبحانه ذلك؛ أي: الذي ذكرت من اجتناب الرجس وقول الزور { وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ } [الحج: 32] وهي أعلام وشواهد مما يرد في إرشاده إلى الصراط المستقيم { فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ } [الحج: 32] أي: فكلها دلالات على ارتقاء القلوب بالله عمَّا سواه.

{ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ } [الحج: 33] لكل من تلك الجملة بقدرة وحدة الأقوام بركات في العبور على المقامات، ولآخرين في حلاوة طاعتهم، ولآخرين في الذات يبسطهم، ولآخرين في اُنسهم بالله { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } [الحج: 33] وهو بلوغ حد كمالهم، ثم محلها إلى البيت العتيق ذلك محل كل سالك إلى حضرة القديم ومنزلة { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً } [الحج: 34] أي: ولكل سالك جعلنا طريقة ومقاماً وقربة على اختلاف طبقاتهم:

* فمنهم: من يطلب الله من طريق المعاملات.

السابقالتالي
2