الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } * { يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } * { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } * { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ } * { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ }

وبقوله تعالى: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ } [الحج: 11] يشير إلى بعض الطالبين من لا صدق له ولا ثبات في الطلب، فيكون من أهل التمني بطلب الله على شك، فإن أصابه خير مما يلائم نفسه وهواه أو فتوحاً من الغيب أطمأن به، وأقام على الطالب في الصحبة، وإن أصابته فتنة بلاء وشدة وضيق في المجاهدات أو الرياضات، وترك الشهوات، ومخالفة الناس، وملازمة الخدمة، ورعاية حق الصحبة، والتأدب بآداب الصحبة، والتأمل عن الإخوان انقلب على وجهه بتبديل الأقوال والإنكار، والاعتراض، والتسليم بالإباء، والاستكبار، والإرادة بالارتداد، والصحبة بالهجران { خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ } [الحج: 11] أي: خسر ما كان عليه من الدنيا بتركها، وخسر الآخرة بالارتداد عن الطلب والصحبة.

ومن هنا قال المشايخ مرتد الطريقة أخسر من مرتد الشريعة: { ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } [الحج: 11] فإن من رده قلب صاحب قلب يكون مردود القلوب كلها؛ وذلك لأنه { يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [الحج: 12] أي: يعبد ويطلب ما سوى الله تعالى { مَا لاَ يَضُرُّهُ } [الحج: 12] في الآخرة إن تركه { وَمَا لاَ يَنفَعُهُ } [الحج: 12] إن طلبه { ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } [الحج: 12] أي: جعله بعيداً من الله تعالى { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ } [الحج: 13] أي: يطلب من ضرره في الآخرة { أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ } [الحج: 13] أي: أكثر من الانتفاع به في الدنيا { لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ } [الحج: 13] ما عبدوه وما طلبوه غير الحق { وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ } [الحج: 13] ما عاشروه في الدنيا وشهواتها.

ثم أخبر عن أهل الجنات والدرجات بقوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [الحج: 14] يشير إلى أنه من يدخل الجنة بمجرد الإيمان التقليدي والأعمال الصالحة الخالصة لوجه الله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } [الحج: 14] أي: يوفق للإيمان الحقيقي والعمل الصالح من يريد ويشاء، كقوله تعالى:يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ } [الإنسان: 31].

وبقوله تعالى: { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } [الحج: 15] يشير إلى أن من كان ظنه بالله ظن السوء بألاَّ ينصره في الدنيا على الكفار، وفي الآخرة بألاَّ يدخل الجنة، فإنه من الظانين بالله ظن السوء، وغضب الله عليه ولعنه، وأعد له جهنم، وساءت مصيراً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث رباني عن الله تعالى: " أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما يشاء " يعني: من ظن بي خيراً أصابه خيرّاً، ومن ظن بي شرّاً أصابه شر، وفي رواية أخرى قال الله تعالى: " فليطلب طريقاً إلى السماء، ثم ليقطع صادقاً تقديري في الأزل ونزول أحكامي من السماء، فلينظر هل يذهبن كيده؟ " أي: هل نقطع كيده في إبطال أحكامي النازلة من السماء مما يغيظ؟ أي: سبب غيظه وكذلك؛ أي: كذا ما قررنا من بطلان سعي في إبطال أحكامنا { أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } [الحج: 16] أي: دلالات واضحات إليك يا محمد { وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ } [الحج: 16] إلى الجنة من يشاء، وفيه إشارة أخرى: { وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ } [الحج: 16] من الهداية.