الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ } * { وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ٱلْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ }

ثم أخبر عن أجر من مسه الضر بقوله تعالى: { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ } [الأنبياء: 83] يشير إلى أن كل ما كان لأيوب عليه السلام من الشكر والشكاية في تلك الحالة كان مع الله لا مع غيره إذ نادى ربه، وإلى أن بشرية أيوب عليه السلام كانت تتألم بالضر وهو يخبر عنها ولكن روحانيته المؤيدة بالتأييد الإلهي تنظر بنور الله، وترى في البلاء كمال عناية المبلى وعين رحمته في تلك الصورة وتربية لنفسه؛ ليبلغها مقام الصبر ورتبة نعم العبد وهو يخبر عنها ويقول: { أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ } [الأنبياء: 83] من حيث البشرية، ولكن أرى بنور فضلك أنك { أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } [الأنبياء: 83] علي بأنك ترحم علي بهذا البلاء ومس الضر وقوة الصبر عليه؛ لتفني نفسه عن صفاتها وهي العاجلة وتبقى بصفاتك، ومنها الصبر والصبر من صفات الله تعالى لا من صفات العبد لقوله تعالى:وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } [النحل: 127] والصبور هو الله تعالى:

وبقوله تعالى: { وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } [الأنبياء: 83] كان مستدعياً رحمته منه في إفناء النفس وصفاتها التي يجذبها ألم الضر والضر الحقيقي هو وجوده وألمنا ألم به؛ ليبقى بجود رحمته لا برحمة وجوده، فقال الله تعالى: { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ } [الأنبياء: 84] مأموله وأعطينا سؤاله { فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ } [الأنبياء: 84] ضر به الوجود { وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ } [الأنبياء: 84] أي ما هو أهله { وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ } [الأنبياء: 84] أي: ضعف ما كان مأمولة أعطينا له { رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا } [الأنبياء: 84] أي: بتجلي صفة رحمتنا له. { وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ } [الأنبياء: 84] أي: تذكاراً للطالبين.

ثم أخبر عن الطلاب وسمَّاهم في الكتاب بقوله تعالى: { وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ٱلْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّابِرِينَ } [الأنبياء: 85] يشير إلى أن إسماعيل عليه السلام قد صبر عند ذبحه وقال:يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ } [الصافات: 102] وإدريس عليه السلام قد صبر على دراسته الكتب، وإنما سمي إدريس؛ لكثرة دراسته، وذا الكفل لأنه قد صبر على صيام النهار وقيام الليل وأذى الناس في الحكومة بينهم بألاَّ يعقب، وفيه إشارة إلى أن كل من صبر على طاعة الله، أو عن معصية، أو على ما أصابه من مصيبة في المال والأهل ونفسه، فإنه بقدر وصبر يستوجب رتبته نعمة العبدية، ويصلح لإدخاله في رحمته المخصوصة كما قال الله تعالى:وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ إِنَّهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [الأنبياء: 75].

ثم يشير عمَّن لم يصبر ويعترف بالعجز عن الصبر وعليه يستغفر بقوله تعالى: { وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } [الأنبياء: 87] يشير إلى أن الإنسان إذا غضب يلتبس عليه عقله، ويحتجب عنه نور إيمانه حتى يظن بالله ما لا يليق بجلاله وعظمته ولو كان نبيّاً وسعى في قطع تعلقاتهما وهو متابع للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا كفران لسعيه وأمثاله كما يبتون في الأزل من المحبين والمحبوبين.