الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلْوَحْيِ وَلاَ يَسْمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ } * { وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يٰويْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } * { وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ وَضِيَآءً وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَهُمْ مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشْفِقُونَ } * { وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ }

وبقوله تعالى: { قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلْوَحْيِ وَلاَ يَسْمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ } [الأنبياء: 45] يشير إلى أنه ليس للأنبياء والأولياء إلا الإنذار والنصح وليس لهم إسماع الصم، وهم الذين لعنهم الله في الأزل بالطرد عن جوار الحضرة إلى أسفل الدنيا، وأصمهم وأعمى أبصارهم بحبها، وطلب شهواتها، فلا يسمعون ما ينذرون به، وإنما الاستماع لله تعالى لا للخلق كما قال الله تعالى:وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ } [الأنفال: 23].

وفي قوله تعالى: { وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يٰويْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } [الأنبياء: 46] إشارة إلى أن أهل الغفلة والشقاق لا ينتبهون بتنبيه الأنبياء، ونصح الأولياء في الدنيا حتى يمسهم أمر من آثار عذاب الله بعد الموت، فإن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوافَٱعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ } [الملك: 11] ونادوا بالويل والثبور على أنفسهم بما كانوا ظالمين.

وفي قوله تعالى: { وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً } [الأنبياء: 47] إشارة إلى أن الموازين على قسمين: موازين الفضل، وموازين العدل:

* فأمَّا موازين الفضل: فقد وضعت في المبدأ الأول حين قسمت الأشياء كما قال:نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [الزخرف: 32] قورن بها أولاً أعظم وزن لمحمد صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى:وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً } [النساء: 113] ثم وزن بها للرسل ورجع لبعضهم كما قال الله تعالى:تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } [البقرة: 253] ثم وزن بها للأولياء المحبوبين كما قال الله تعالى:فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [المائدة: 54] ثم وزن بها للمؤمنين فقال الله تعالى:وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً } [النور: 21] ثم وزن بها لبني آدم عموماً بقوله تعالى:وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } [الإسراء: 70].

* وأمَّا موازين العدل: فقد وضعت للمداد وهو يوم القيامةتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ } [غافر: 17] وذلك؛ لأن العالم بما فيه خلق كشجرة لثمرتها ولها بذر، فقسم بذرها في المبدأ بميزان الفضل رعاية لمصلحة الشجرة ولو وزن بميزان العدل ما تم أمر الشجرة للتسوية في القسمة؛ لأنه لو لم يكن الفضل مخصوصاً ببعضها دون بعض ما كان للشجرة ثمرة ولا للثمرة شجرة، فإذا تم أمر الشجرة وأثمرت فاقتضت الحكمة بأن وزن لها في الآخرة بميزان العدل؛ لإيصال الماء بالسوية إلى أجزاء الشجرة رعاية لصلاح الشجرة والثمرة { وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا } [الأنبياء: 47] إلى موضع صالح { وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ } [الأنبياء: 47] في رعاية صالح الشجرة والثمرة من المبدأ إلى المعاد.

السابقالتالي
2