الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ } * { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ } * { بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلاۤءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ أَفَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ }

{ بَلْ تَأْتِيهِم } [الأنبياء: 40] جزاء إنكارهم من قساوة القلوب وعماها { بَغْتَةً } [الأنبياء: 40] فجأة عقيب الإنكار { فَتَبْهَتُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا } [الأنبياء: 40] بقوتهم واستطاعتهم { وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } [الأنبياء: 40] لطلب الاستطاعة والإنابة بشؤم الإنكار والاستهزاء { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ } [الأنبياء: 41] هذا تطييب لقلوب الأنبياء والأولياء { فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [الأنبياء: 41] أي: أحاط بهم شؤم استهزائهم فأهلكهم.

ثم أخبر عن كلاءته لأهل ولايته بقوله تعالى: { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ } [الأنبياء: 42] يشير إلى أن لملوك الأرض والجبال من لو كان حراساً وأعواناً يحفظونهم بالليل والنهار من الخصوم والأعداء والمنازعين، فمن لهم يحفظهم { بِٱلْلَّيْلِ } ليل بشرية نفوسهم { وَٱلنَّهَارِ } أي: نهار نور روحانيتهم من سطوات قهر الجلال الذي الرحمانية من صفاته، كما أن الرحيمة من صفات الجمال بأن يبعث عليهم عذاباً في ظاهرهم أو باطنهم بأن يكلهم إلى ظلمة ليل بشريتهم وهي الجهل؛ ليبقوا بالجهل في أسفل سافلين النفس النفسانية إلى الأبد، أو يكلهم بالخذلان إلى نهار نور الروحانية، وهو العقل ليبقوا في حجب المعقولات كالفلاسفة، فإن لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة وهي حجب البشرية والرحمانية، فالمحجوبون بحجب البشرية أرجى خلاصاً من المحجوبين بحجب الروحانية؛ لأنهم مقرون بجهالتهم وهؤلاء معذورون بمقالتهم وهم من الأخسرين.ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } [الكهف: 104] { بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ } [الأنبياء: 42] أي: أهل حجب البشرية معرضون عن ذكر ربهم، ومعرفته لحسبانهم بعوارف المعقولات { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ } [الأنبياء: 43] من الأهواء أو البدع { تَمْنَعُهُمْ } [الأنبياء: 43] مما هم فيه من الخذلان وسطوات قهرنا { مِّن دُونِنَا } [الأنبياء: 43] أي: من غيرنا، ثم نفاهم عن نصرهم بالعجز عن نصر أنفسهم فقال الله تعالى: { لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ } [الأنبياء: 43] في طلب الحق { وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ } [الأنبياء: 43] يمنعون عن إصابة سطوات قهرنا.

{ بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلاۤءِ } [الأنبياء: 44] من أهل حجب البشرية؛ ليتمتعوا من متاع الدنيا وشهواتها { وَآبَآءَهُمْ } [الأنبياء: 44] أي: عقلائهم من أهل الحجب الروحانية؛ ليتمتعوا بالمعقولات وينتفعوا بها { حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ } [الأنبياء: 44] وأشربوا في قلوبهم بالزمان الطويل حب المعقولات { أَفَلاَ يَرَوْنَ } الطائفتان { أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ } [الأنبياء: 44] أي: أنَّا إذا نظرنا إلى أرض البشرية { نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ } خاصية البشرية من طرف البشرية، وخاصية الروحانية من طرف الروحانية؛ يعني: مهما تداركت العناية كلتا الطائفتين لا تطلب مشاربهما من حظوظ البشرية والروحانية بحقوق الواردات الربانية { أَفَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [الأنبياء: 44] أم نحن، بل الله غالب على أمره.