الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } * { وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } * { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ } * { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }

ثم أخبر عن الآيات مما في الأرض والسماوات بقوله تعالى: { أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا } [الأنبياء: 30] يشير إلى أن أرواح المؤمنين والكافرين خلقت قبل السماوات والأرض كما قال صلى الله عليه وسلم: " أنه تعالى خلق الأرواح وكانت شيئاً قبل الأجساد بألفي عام " ، وفي رواية: " بأربعة آلاف سنة " وكان خلق السماوات والأرض بمشهد من الأرواح وكانتا شيئاً واحداً كما جاء في الحديث المشهور: " أول ما خلق الله جوهرة فنظر إليها بنظر الرحمة، فبحمد نصفها فخلق منه العرش فارتعد العرش، فكتب الله تعالى: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فسكن العرش وترك الماء على حالته يرتعد إلى يوم القيامة، وذلك قوله تعالى: { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ } [هود: 7] " وفي رواية ابن عمران بن حصين: " وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض " أي: ثم من تلاطم أمواجه صعدت أدخنة، وارتفع بعضها متراكماً على بعض، وكان لها زبد فخلق منها السماوات والأرض طباقاً، وكانتا رتقاً فخلق الريح منها فتق بين أطباق السماء وأطباق الأرض.

كما أخبر بقوله تعالى:ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ } [فصلت: 11] وإنما خلقها من دخان ولم يخلقها من بخار؛ لأن الدخان خلق متماسك الأجزاء يستقر في منتهاه، والبخار من كمال عمله وحكمته، ثم بعد ذلك مدَّ الزبد على وجه الماء ودحاه فصار أرضاً بقدرته، وذلك قوله تعالى:وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } [النازعات: 30] ثم نظر إليها بعين الرحمة فجمدت كما جاء في الحديث قوله: " فبحمد بعضها " وهو التذلل في قوله تعالى:جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً } [الملك: 15] وأشار إلى هذه الجملة بقوله تعالى: { أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } [الأنبياء: 30] في قوله تعالى:جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ } [الملك: 15] { كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا } [الأنبياء: 30].

وبقوله تعالى: { وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } [الأنبياء: 30] يشير إلى أنه خلق حياة كل ذي حياة من الحيوانات من الماء الذي عرشه، وذلك أن الجوهرة التي هي مبدأ الموجودات هو الروح الأعظم خلقت أرواح الإنسان والملك من أعلاها، وخلقت أرواح الحيوان والدواب من أسفلها، وهو الماء كما قال تعالى:وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ } [النور: 45] وكان ذلك كله بمشهد من الأرواح ولذلك قال تعالى: { أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ } [الأنبياء: 30] أي: أفلا يؤمنون بما خلقنا بمشهد من أرواحهم.

وبقوله تعالى: { وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ } [الأنبياء: 31] يشير إلى: الأبدال الذين هم أوتاد الأرض وأطوارها، فأهل الأرض بهم يرزقون وبهم يمطرون { وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً } [الأنبياء: 31] أي: وجعلنا في إرشادهم الفجاج والسبل إلى الله تعالى { لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } [الأنبياء: 31] بهم إلى الله تعالى.

السابقالتالي
2 3