الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } * { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ } * { يُسَبِّحُونَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } * { أَمِ ٱتَّخَذُوۤاْ آلِهَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ } * { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } * { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } * { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْحَقَّ فَهُمْ مُّعْرِضُونَ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ } * { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } * { لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } * { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } * { وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّيۤ إِلَـٰهٌ مِّن دُونِهِ فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ }

ثم أخبر عن حاصل الباطل بقوله تعالى: { بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ } [الأنبياء: 18] يشير إلى أن للحق ثلاث مراتب، وكذا للباطل مرتبة أفعال الحق، ومرتبة صفات الحق، ومرتبة ذات الحق تبارك وتعالى؛ فأمَّا أفعال الحق فهي: أمر الله به العباد فيه يدفع باطل ما نهى الله عنه، وأمَّا صفات الحق فبتجليها يدمغ باطل صفات العبد، وأنا ذات الحق تعالى فإذا تجلى بذاته يدمغ باطل جميع الذوات كما قال الله تعالى:كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } [القصص: 88] ويدل عليه قوله تعالى:وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } [الإسراء: 81].

وقوله تعالى: { فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ } [الأنبياء: 18] ولعل من قال: أنا الحق إنما قال عند تجلي ذات الحق أو صفته الحقيقية تعالى لذاته الباطل فإذا زهق باطل ذاته عند مجيئه فأخبر الحق عن ذاته بلسان الصفة بصفة الحق فقال: " أنا الحق " { وَلَكُمُ } [الأنبياء: 18] يا أهل الوجود المجازي الباطل { ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } [الأنبياء: 18] به وجود حقيقي الحق تعالى مما يليق بأهل الوجود المجازي الباطل { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [الأنبياء: 19] خلقاً وإيجاداً واستيعاداً { وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } [الأنبياء: 19] بل يتفاخرون بعبوديته { وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ } [الأنبياء: 19] لا يملون ولا يسأمون.

{ يُسَبِّحُونَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ } [الأنبياء: 20] أي: ينزهون عن وصمة الحدوث { لاَ يَفْتُرُونَ } [الأنبياء: 20] عن العبادة والتنزيه والتقديس طرفة عين؛ لأنهم يعيشون بها كما يعيش الإنسان بالنفس، وبقوله تعالى: { أَمِ ٱتَّخَذُوۤاْ آلِهَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ } [الأنبياء: 21] أي: الدواعي المنشأة من أرض البشرية وهوى النفس { هُمْ يُنشِرُونَ } [الأنبياء: 21] يحيون القلب الميت، بل الله المحي والمميت يحيي القلوب الميتة بنور ذكره وطاعته.

وبقوله تعالى: { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } [الأنبياء: 22] يشير إلى: سماء الروحانية وأرض البشرية؛ أي: { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ } أي مدبرات مثل: العقل في سماء الروحانية، والهوى في أرض البشرية غير هداية الله بواسطة الأنبياء والشرائع. { لَفَسَدَتَا } كما فسدت بتدبير العقل والهوى سماء روحانية الفلاسفة والطبائعية والدهرية والإباحية والملاحدة وأرض بشريتهم؛ فأمَّا فساد سماء أرواحهم: فبأن زلَّت أقدامهم عن جادة التوحيد وصراط الوحدانية حتى أثبتوا لله الواحد القهار شريكاً قديماً وهو العالم، فلم يقبلوا دعوة الأنبياء، ولم يهتدوا بهداية الحق، وأمَّا ارض بشريتهم: فبأن زلَّت قدمهم عن جادة العبودية وصراط الشريعة، والمتابعة حتى عبدوا طاغوت الهوى والشيطان وآل أمر فساد حالهم إلى أن قال الله فيهم:صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } [البقرة: 18].

وأمَّا تفسير قوله تعالى: { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } [الأنبياء: 22] في الظاهر فهو أن وجود الإلهية لا يخلوا إمَّا أن يكون حالهم كلهم متساوين في الألوهية وكمال القدرة، أو بعضهم كاملاً، أو بعضهم ناقصاً.

السابقالتالي
2 3 4