الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ } * { أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } * { قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } * { قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يٰسَامِرِيُّ } * { قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } * { قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً } * { إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } * { كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً }

ثم أخبر عن إمارات الفتنة، وأمَّا تأتها بقوله تعالى: { قَالَ يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ } [طه: 92] إلى قوله: { مِن لَّدُنَّا ذِكْراً } [طه: 99] { قَالَ يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ * أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } [طه: 92-93] إشارة إلى أن موسى عليه السلام لمَّا كان بالميقات مستغرقاً في شواهد الحق ما كان يرى غير الحق تعالى، ويكن محتجباً بحجب الوسائل حتى أن الله تعالى ابتلاه بالوسائط بقوله تعالى:قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ } [طه: 85] يا موسى.وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ } [طه: 85] أضاف الفتنة إلى نفسه، وأحال الإضلال إلى السامري اختياراً؛ ليعلم منه أنه: هل يرى غير الله في أفعاله الخير والشر؟ فما التفت إلى الوسائط وما رأى العقل في مقام الحقيقة على بساط القربة الآمنة وقال في جوابه:إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ } [الأعراف: 155] أضاف الفتنة والإضلال إليه تعالى مراعياً حق الحقيقة، ولمَّا رجع إلى قومه نبينا مرسلاً رأى الوسائط، وأحال فعل الشر إليهم مراعياً حق الشريعة، فإنه قد بعث إلى الخلق للهداية بأن يخرجهم من ظلمات الطبيعة على قدم الشريعة إلى نور الحقيقة.

{ قَالَ يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ } [طه: 92] عن صراط عبودية الله تعالى بضلالة عبودية العجل { أَلاَّ تَتَّبِعَنِ } [طه: 93] فتجزني لأرجع عليهم لئلا يقعوا في هلاك هذه الفتنة { أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } [طه: 93] كما عصى هؤلاء القوم أمري وأمر الله، فلمَّا رأى هارون أن موسى رجع من تلك الحضرة سكران الشوق ملآن الذوق وفيه نخوة القربة والاصطفاء فما وسعه إلا التواضع والخشوع فقال: { قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } [طه: 94] لمعنيين: أحدهما: لتأخذه رأفة صلة الرحم فيسكن غضبه، والثاني: ليذكره بذكر أم الحالة التي وقعت له في الميقات حين سأل ربه الرؤيةفَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً } [الأعراف: 143] وجاءه الملائكة في حال تلك الصعقة يجرونه برأسه: يا ابن النساء الحائض بالتراب ورب الأرباب أتطمع رؤية رب العزة.

وقوله تعالى: { إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآءِيلَ } [طه: 94] بخروجك من بينهم. { وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } [طه: 94] يعني: منعني ترقب قولك وطاعة أمرك عن أتباعك لا عصيان أمرك، ثم { قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يٰسَامِرِيُّ } [طه: 95] ما حملك على الذي فعلت { قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ } [طه: 96] يعني: خصصت بكرامة فيما رأيت أثر فرس جبرائيل، وألهمت بأن أنشأنا ما خص بها أحد منكم فقبضت قبضة { فَنَبَذْتُهَا } [طه: 96] يشير بهذا المعنى إلى أن الكرامة لأهل الكرامة كرامة، ولأهل الغرامة استدراج، والفرق بين الفريقين: أن أهل الكرامة يصرفونها في الحق والحقيقة، وأهل الغرامة يصرفونها في الباطن والطبيعة، كما أن الله تعالى أنطق السامري بنيته الفاسدة الباطلة بقوله: { وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } [طه: 96] أي: لشقاوتي ومحنتي.

السابقالتالي
2