الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ } * { كُلُواْ وَٱرْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } * { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ } * { وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ } * { قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يٰمُوسَىٰ } * { فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى } * { قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى } * { فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ } * { قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ } * { فَتَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } * { قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } * { فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ }

ثم أعرض عن أحوال أفعاله بقوله تعالى: { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } [طه: 53] إلى قوله: { مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ } [طه: 64] فبقوله: { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } [طه: 53] يشير إلى أن الحكمة في خلق الأرض هي أن تكون الأرض مهداً لكم { وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً } [طه: 53] أي: لأجلكم لا لغيركم { وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ * كُلُواْ وَٱرْعَوْا أَنْعَامَكُمْ } [طه: 53-54] به يشير إلى أن السماء والماء والنبات والأنعام كلها مخلوقة لكم ولسد احتياجكم للتعيش بهذه الأشياء، بل بجميع المخلوقات ما خلقتها.

{ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } [طه: 54] أي: إن في ذلك التقدير رسالات ودلالات لذوي البصائر أنها خلقت لأجلهم؛ لأنهم كانوا أهل المعرفة، وخلقت المخلوقات فجاء صلى الله عليه وسلم لخلق المعارف كما قال في الحديث الرباني: " كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف " ، وفيه معنى آخر وهو: إن في ذلك الذي مرَّ ذكره ومن السماوات والأرض وما بينهما لآيات بأنه مظهر صفات لطف الحق ومظهر صفات قهره، فإنهم يشاهدون فيه جمال لطفه وجلال قهره ستر الله ستراً بستر وإضماراً بإضمار.

قوله: { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ } [طه: 55] أي: من ذرة التراب التي أمر الله تعالى عزرائيل أن يأخذ من جميع الأرض { وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } [طه: 55] أي: إلى الموضع الذي أخذ منه { وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ } [طه: 55] بعد أن يجعل لكم جسداً مستعداً للبقاء الأبدي، ثم قال: { وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ } [طه: 56] يعني: فرعون { آيَاتِنَا كُلَّهَا } [طه: 56] أي: كل آية نهدي بها أهل البصيرة { فَكَذَّبَ } [طه: 56] بها إذ لم يكن أهل البصيرة { وَأَبَىٰ } [طه: 56] ألا يؤمن بها.

{ قَالَ } [طه: 57] أي: فرعون. { أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يٰمُوسَىٰ } [طه: 57] وإنما قال هذا؛ لأنه كان من أهل البصر لا أهل البصيرة، فكان مطرح نظر بصره الدنيا وما فيها، فرأى مجيء موسى لإخراجه من مملكة الدنيا ولو كان ذا بصيرة لرأى مجيئه لإخراجه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، ومن ظلمات البشرية إلى نور الروحانية، ومن نور ظلمات الإنسانية إلى نور الربانية، فلمَّا رأى ببصر الحس المعجزة سحراً قال: { فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى } [طه: 58] وإنما طلب الوعد؛ لأن صاحب السحر محتاج في تدبير السحر إلى طول الزمان وصاحب المعجزة لا يحتاج في إظهار المعجزة إلى الوعد { قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى } [طه: 59] يعني: يوم عيدهم الذي يجتمع فيه الناس من كل مكان؛ ليكون بمشهد خلق عظيم لعلهم يستجيبون عنهم، فلا ينكرون المعجزة بعد إبطال السحر.

السابقالتالي
2