الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَىٰ } * { قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } * { فَأْتِيَاهُ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَٱلسَّلاَمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ } * { إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ ٱلْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } * { قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ } * { قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } * { قَالَ فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ } * { قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى }

والدليل على هذا التأويل قوله تعالى: { قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ } [طه: 45] إلى قوله: { وَلاَ يَنسَى } [طه: 52] قوله: { قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ } [طه: 45] يشير: أن الخوف مركوز في جبلة الإنسان حتى لو بلغ مرتبة النبوة والرسالة، فإنه لا يخرج من جبلته كما قال: { إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ } [طه: 45] يعني: بأن يقتلنا، ولكن الخوف ليس بجهة القتل، وإنما نخاف فوات عبوديتك بالقيام لأداء الرسالة والتبليغ، كما أمرتنا إذ بتمرده وبجهله ولا ينقاد لأوامرك أو يسبك، ويقول:أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } [النازعات: 24].

وبقوله تعالى: { قَالَ لاَ تَخَافَآ } [طه: 46] يشير إلى أن الخوف إنما يزيل عن جبلة الإنسانية بخطابي إليه بأمر التكوين كما قال:يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } [الأنبياء: 69] فكانت بتكوين الله إياها برداً وسلاماً { إِنَّنِي مَعَكُمَآ } [طه: 46] بالنظرة والحفظ في الأزل؛ إذ كنت أقدر نصركما، وهلاكه على أيديكما { أَسْمَعُ } [طه: 46] هذه مقالتكما قبل وجودكما { وَأَرَىٰ } [طه: 46] أحوالكما وأحواله قبل أن أخلقكما بهذه الصفات.

{ فَأْتِيَاهُ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ } [طه: 47] أعلم أن فائدة إتيانهما رسالتهما إلى فرعون وتبليغه كانت عائدة إلى موسى وهارون نفسهما لا إلى فرعون في علم الله عز وجل، فالحكمة في إرسالهما: أن يكونا رسولين من ربهما مبلغين منذرين؛ ليتحقق رسالتهما، وينكر فرعون ويكفر بهما؛ ليتحقق كفره،لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ } [الأنفال: 42] { قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ } [طه: 47] وهي اليد البيضاء بها يشير إلى يد صافية فارغة من الدنيا والآخرة { وَٱلسَّلاَمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ } [طه: 47] أي: سلم من استسلم، واتبع هدى الله وهي ما جاء به الأنبياء عليهم السلام.

{ إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ ٱلْعَذَابَ } [طه: 48] ضد السلامة { عَلَىٰ مَن كَذَّبَ } [طه: 48] أي: كذب وكفر بما جاء به الأنبياء { وَتَوَلَّىٰ } [طه: 48] أي: أعرض عن الله بمتابعة الهوى { قَالَ } [طه: 49] فرعون { فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ } [طه: 49] واختص موسى بالذكر دون هارون مع أن الخطاب كان معهما؛ لأن صاحب الآيات كان موسى وكانت الرسالة له بالأصالة ولهارون بالوزارة بالتبعية.

{ قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ } [طه: 50] أعطى كل شيء استعداد لما خلق له { ثُمَّ هَدَىٰ } [طه: 50] أي: يسره لما خلق له والذي يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: " اعملوا كل ميسر لما خلق له " معناه: أن الله تعالى خلق المؤمن مستعداً لقبول فيض الإيمان، ثم هداه إلى قبول دعوة الأنبياء ومتابعتهم، وخلق الكافر لقبول فيض القهر والخذلان والتمرد على الأنبياء مخالفتهم.

{ قَالَ } [طه: 51] يعني: فرعون { فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ } [طه: 51] يعني: المتقدمين الذين لم يقبلوا دعوة الأنبياء فألفوهم { قَالَ } [طه: 52] أي: موسى. { عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ } [طه: 52] يعني: علم كل واحد من القرون أنه تعالى لماذا خلقه مستعداً لقبول الإيمان، ولقبول الكفر ثابت في أم الكتاب عنده { لاَّ يَضِلُّ رَبِّي } [طه: 52] عن الكتاب وعلمه { وَلاَ يَنسَى } [طه: 52].