الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } * { قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } * { قَالَ أَلْقِهَا يٰمُوسَىٰ } * { فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } * { قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا ٱلأُولَىٰ } * { وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ آيَةً أُخْرَىٰ } * { لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ } * { ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } * { قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي } * { وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي } * { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي } * { يَفْقَهُواْ قَوْلِي } * { وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي } * { هَارُونَ أَخِي } * { ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي } * { وَأَشْرِكْهُ فِيۤ أَمْرِي } * { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً } * { وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً } * { إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً }

ثم أخبر عن أصناف ألطافه مع خواصه بقوله تعالى: { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } [طه: 17] إلى قوله: { كُنتَ بِنَا بَصِيراً } [طه: 35] يشير إلى أنه تعالى كان عالماً بأن في يمينه العصا إذ قال: { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ } [طه: 17] وتلك تقال للمؤنث والعصا مؤنث، وإنما امتحن موسى بهذا السؤال تنبيهاً له؛ ليعلم أن للعصا عند الله اسماً آخر وحقيقة أخرى غير ما علم منها، فيحيل علمها إلى الله تعالى ويقول: أنت أعلم بها يا رب، فلمَّا أنكل على علم نفسه وقال: هي عصاك، قيل له: أخطأت، هذا الجواب خطأين:

أحدهما: في قولك إذ سميتها العصا.

والثاني: في إضافتها إلى نفسك لقولك: { عَصَايَ } [طه: 18] وهي ثعبان لا عصاك.

فلمَّا قال: { أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي } [طه: 18] قال تعالى اتكأت على غيري، فقال الله القهار: { يٰمُوسَىٰ } [طه: 19] ليعلم أنها ليست تصلح للاتكاء ولا يصلح لك الاتكاء على غير الله إلا على لطفه وكرمه؛ لأنه يكون ثعبان وتحسب أنه متوكأ لك وواسطة رزق أغنامك إذ قلت: { وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي } [طه: 18] وسعيت ونسيت أن الرزاق هو الله تعالى، وأحلت مآربك إليها إذ قلت: { وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } [طه: 18] ولم تحل مآربك إلى الله هو قاضي الحاجات مجيب الدعوات { فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } [طه: 20] لا عصى من خشب يابس فهرب منها موسى خائفاً مستحيياً خجلاً مما جرى عليه قولاً وفعلاً، فرجع إلى الله بقلبه مستغفراً له.

ثم أدركته العناية الأزلية وقال: { خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا ٱلأُولَىٰ } [طه: 21] يعني: كنت تحسب أن لك فيها المآرب والمنافع في البداية، ثم رأيتها وأنت خائف من مغايرها فخذها ولا تخف؛ لتعلم أن الله هو الضار والنافع، فيكون خوفك ورجاؤك منه وإليه لا من غيره { وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ } [طه: 22] أي: انزع يدك؛ أي: يد همتك من غير الله وعنهم { تَخْرُجْ } [طه: 22] من ظلمة الدارين نقية { بَيْضَآءَ } [طه: 22] اللون نورانية { مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } [طه: 22] مضرة خسارتك تعود إليك من ترك الدارين مع التصرف فيهما بالله في الله ولله وهو { آيَةً أُخْرَىٰ } [طه: 22].

{ لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ } [طه: 23] وفيه إشارة إلى: إبعاده بالرؤية؛ لأنها من آياته الكبرى؛ يعني: إنك إذا ضممت يد همتك إلى جناحك بقطع تعلق الدارين ولا تلتفت إلى غير الله فتستحق رؤيته، فإنك ما دمت تنظر إلى غيره لا تكون مستحقاً للنظر إليه ألا ترى أنك لمَّا امتحناك بالنظر إلى الجبل حرمت عن النظر إلينا؟ وأمَّا محمد فلمَّا امتحن بكشف حقائق الدارينإِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ }

السابقالتالي
2