{ إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ } [طه: 14] المعنى أنني لمَّا تجليت ألوهيتي لأنانية وجودك المجازي لا يبقى في عالم وجودك المجازي إله من الهوى وغيره، { إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي } [طه: 14] بمساعي إفناء وجودك المتولد من منشأ قالبك على الدوام ما دام باقياً { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ } [طه: 14] أي: أدم المناجاة في المحاضرة مع تبدل الوجود { لِذِكْرِيۤ } [طه: 14] أي: لنيل ذكري إياك بالتجلي على الدوام؛ لإفناء وجود المتحد. وبقوله: { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ } [طه: 15] يشير إلى أن كل قلب يكون هذا حاله، فإن فيما منه بكشف غطاء الحجب الإنسانية عنه بتجلي صفة الجلال لآتية التي من شأنها البروز لله الواحد القهار { أَكَادُ أُخْفِيهَا } [طه: 15] عزة شأنها وعظمة سلطانها فيسقى من الكرم على بعض خواص { لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ } [طه: 15] في العبودية من الروح والسر والقلب والنفس والقالب جزاءاً مناسباً لسعيهم، فلمَّا كان سعي الروح بحسب الوطن الأصلي للرجوع إلى سكنى إضافة من روحي فجزاءه من تجلي صفة الجلالة بالانعدام من الوجود المجازي انعدام الناسوتي في اللاهوتي، وكان سعي السر بالخلو عن الأكوان لقبول فيض المكون فجزاؤه بإضافة الفيض الإلهي عليه، وكان سعي القلب بقطع تعلقات الكونين لتصفية وقابلية لتجلي الصفات الجمال والجلال فجزاءه بدوام تجلي صفة الجمال، واتصافه بصفة الجلال؛ ليبيت عند ربه يطعمه ويسقيه من الشراب الإلهي الذي يزيل لوث الحدوث عن لوح القلوب لكشف حقائق الغيوب، وكان بسعي النفس بتبديل الأخلاق واتقاء الأوصاف الظلمانية الحيوانية؛ لاتصافها بالصفات الروحانية الربانية فجزاؤها بإشراقها بنور ربها لإزالة ظلمة صفاتها، واطمئنانها إلى ذكر ربها المكون قابلة لله بجذبة:{ ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } [الفجر: 28] وكان سعي القالب باستعمال أركان الشريعة وآداب الطريقة فجزاؤه رفعة الدرجات ونيل الكرامات في الدارين. { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ } [طه: 16] لا يصرفنكم عن هذه السعادات والكرامات يا موسى القلب النفس الأمارة التي لا يؤمن بها، واتبعت هواها في طلب الشهوات واللذات الدنيوية { فَتَرْدَىٰ } [طه: 16] فتهلك بانقطاعك عن الحق تعالى فيه إشارة إلى أن هلاك القلب وقساوته في هلاك النفس وقساوتها. ثم أقول في قوله تعالى: { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا } [طه: 15] يعني: أكاد أخفي الساعة وإتيانها، وأخفي أحوال الجنة ونعيمها، وأهوال النار وعذاب جحيمها لئلا تكون عبادتي مشوبة بطمع الجنة وخوف النار، بل تكون خالصة لوجهي كما قال تعالى:{ وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [البينة: 5] وفي ذلك تهديد عظيم للعباد، وإظهار عزة وعظمة لنفسه إلا أنه سبقت رحمتي غضبي بما أخفيت الساعة وإتيانها، والله أعلم.