الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } * { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً } * { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً } * { فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً } * { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً }

{ وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ } [طه: 111] أي: خشعت وتذللت وجوه المكونات؛ لكونها الحي: الذي بحياته كل شيء، القيوم: الذي فيه قيام كل شيء احتفاظاً واضطراراً واستسلاماً { وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } [طه: 111] أي: خسر من تذلل وخشع وسجد لغير الله { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ } [طه: 112] أي: الأعمال التي تصلح للتقرب بها إلى الله تعالى { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } [طه: 112] بالإيمان الحقيقي دون التقليدي { فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً } [طه: 112] أي: فلا خوف عليه بأن يظلم فيسجد لغير الله { وَلاَ هَضْماً } [طه: 112] بأن يظلم ويؤاخذ بما لم يعمل من الشر، أو ينقص مما عمل من الخير شيء؛ إذ أعماله مؤيدة بنور الإيمان الحقيقي.

ثم أخبر عن القرآن العظيم والذكر الحكيم بقوله تعالى: { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } [طه: 113] إلى قوله تعالى: { عَزْماً } [طه: 115] { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } [طه: 113] أي: كما أنزلنا الصحائف والكتب إلى آدم وغيره من الأنبياء بألسنتهم ولغاتهم المختلفات، كذلك { أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } أي: بلغة العرب وحقيقة كلامه هي الصفة القائمة بذاته المنزهة عن الحروف والأصوات المختلفة المخلوقة، وإنما الأصوات والحروف تتعلق بلغات الألسنة المختلفة.

{ وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ } [طه: 113] أي: أوعدنا فيه قومك بأصناف العقوبات التي عاقبنا بها الأمم الماضية وكررنا ذلك عليهم { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } [طه: 113] عن التعلق بما سوانا نظيره قوله تعالى:وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [السجدة: 21] أو يحدث لهم أنوار القرآن وأسراره وحقائقه ذكراً؛ أي: يذكروا انتباهاً وذوقاً وشوقاً وهداية يهتدون بها إلينا لئلا ينقطعوا عنا { فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ } [طه: 114] أي: هو أعلى من أن يعبد ما سواه بالباطل.

وفي قوله تعالى: { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً } [طه: 114] إشارة إلى سكوته عند قراءة القرآن واستماعه والتدبر في معانيه وأسراره؛ لتنور بأنواره وكشف حقائقه، ولهذا قال الله تعالى: { وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً } [طه: 114] أي: فهماً لإدراك حقائقه، فإنها غير متناهية وتنوراً بأنواره وكخلق لخلقه. { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ } [طه: 115] أي: من قبل أن يكون له أولاد؛ أي: لا يتعلق بغيرنا، ولا ينقاد لسوانا، فلمَّا دخل الجنة ونظر إلى نعيمها { فَنَسِيَ } [طه: 115] عهدنا وتعلق بالشجرة وانقاد للشيطان { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } [طه: 115] يحتمل معنيين:

* أحدهما: إن الله تعالى لمَّا خلق آدم تجلى أدم فيه بجميع صفاته، فصارت ظلمات صفات خلقيته مقلوبة مستورة بسطوات تجلي أنوار صفات الربوبية، ولم يبق له عزم التعلق بما سواه والانقياد لغيره، فلمَّا تحركت فيه دواعي البشرية الحيوانية، وتداعت شهوات النفسانية، واشتغل باستيفاء الحظوظ نسى أداء الحقوق، ولهذا سمي الناس ناس؛ لأنه ناس، فنشأت له من تلك المعاملات ظلمات بعضها فوق بعض، وتراكمت حتى صارت غيوم شموس المعارف وأستار أقمار المعارف، فنسى عهود الله ومواثيقه وتعلق بالشجرة المنهي عنها، والثاني: أن آدم عليه السلام ظنَّ أن المنهي في قوله: (لا تقربا) تناولهما معاً، فيجوز لكل واحد على الانفراد أكله!!