الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً } * { خَالِدِينَ فِيهِ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً } * { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً } * { يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } * { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } * { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } * { فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً } * { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } * { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } * { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } * { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً }

قوله تعالى: { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ } [طه: 100] يشير إلى أن من أعرض عن الذكر الحقيقي الذي قام به حقيقة الإيمان والإيقان والعرفان { فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً } [طه: 100-101] أي: حملاً ثقيلاً من الكفر والشرك والجهل والعمى وقساوة القلب والرين والختم والأخلاق الذميمة والبعد والحسرة والندامة والحرق، وكذا هنا حقيقة العبودية ودوام الذكر ومراقبة القلب وصدق التوجه لقبول الفيض الإلهي الذي هو حقيقة الذكر الذي أوله: إيمان، وأوسطه: إيقان، وآخره: عرفان؛ فالذكر الإيماني: يورث الإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة بترك المعاصي والاشتغال بالطاعات، والذكر الإيقاني: يورث ترك الدنيا وزخارفها بحلالها وحرامها، وطلب الآخرة ودرجاتها بالطاعات منقطعاً إليها، والذكر العرفاني: يوجب قطع تعلقات الكونين، والتكبير على سعادة الدارين، وبذل الوجود على شواهد المشهود بقوله تعالى: { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً * يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } [طه: 102-103] يشير: أنه إذا نفخ في الصور وحشر على أهل البلاء وأصحاب الجفاء يوم الفزع الأكبريَوْماً يَجْعَلُ ٱلْوِلْدَانَ شِيباً } [المزمل: 17]يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [إبراهيم: 48].

وإن ربنا قد غضب ذلك اليوم غضباً لم يغضب قبله ومثله، ولن يغضب بعده ليرون من شدة أهوال ذلك اليوم ما يقلل في أعينهم شدة ما أصابهم من العذاب طول مكثهم في القبور، فهم يحسبون أنهم ما لبثوا في القبور إلا عشرة أيام، وثم قال تعالى: { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ } [طه: 104] من عظيم البلاء وما يقولون { إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً } [طه: 104] أي: أصوبهم رأياً في نيل شدة البلاء { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } [طه: 104] وذلك لأنه وجد بلاء ذلك اليوم عشرة أمثال ما وجدوه، ومن شدة أهوال ذلك اليوم فقال تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ } [طه: 105] أي: ويسألونك عن أحوال الجبال في ذلك اليوم { فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } [طه: 105] بتجلي صفة القهارية كما جعل الطور دكّاً.

{ فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً } [طه: 106-107] من بقاياها { وَلاۤ أَمْتاً } [طه: 107] من زواياها { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ } [طه: 108] أي: الذي دعاهم في الدنيا فأجابوا داعيهم لا يموج له في دعائهم؛ يعني: كل داع من الدعاة لا يدعو غير أهله، وكل تابع لا يتبع إلا داعيه نظير قوله تعالى:يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ } [الإسراء: 71] أي: بداعيهم الذي هم يتبعونه.

ثم اعلم أن لكل داع من الدعاة مجيباً في جبلة الإنسانية؛ لأنه تعالى هو الداعي والمجيب كقوله:وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [يونس: 25] فالله هو الداعي والمجيب بالهداية بحسب لسان المشيئة، فافهم جيداً.

السابقالتالي
2