الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ } * { وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } * { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } * { مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَٰلَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ } * { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ إِلاَّ ٱلْفَاسِقُونَ }

ثم أخبر عن كمال جهلهم وغرورهم إن اليهود ادعوا الاختصاص عن الله تعالى بالأشياء، فكذبهم الله تعالى بقوله: { قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ } [البقرة: 94]، إلى قوله { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } [البقرة: 96] والإشارة في تحقيق الآيات أن من علامات الاشتياق تمني الموت على بساط العوافي، ومن وثق أن الجنة له فلا محب له ليشتاق إليها، وفيه معنى آخر وهو من أمارة أن يكون المرء من أهل الجنة تمنيه الموت لقوله تعالى: { فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ } [البقرة: 94]، قال عقيب ادعائهم أنهم أهل الجنة بفاء التعقيب يعني { إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [البقرة: 94]، موقنين من أهل الجنة حقيقة، فتمني الموت يكون بوصف حالكم.

ثم قال تعالى: { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } [البقرة: 95]، من سوء الأفعال والأقوال والأحوال؛ يعني: أن لا يكون تمني الموت من نتائج معاملات السوء التي توجب النار، وفيه إشارة إلى النار باب علوم الظاهر المنكرين على أرباب علوم الباطن يزعمون أنهم من أهل النجاة والدرجات دون الأئمة المحققين، فجعل الله تعالى أمارة أهل النجاة السلامة من الحياة الدنيا وتمني الموت، وهذا وصف حال السالك الصادق والمحقق العاشق، كما قال بعضهم:
أقتلوني يا ثِقاتي   إِنَّ في قَتلي حَياتي
وَمَماتي في حَياتي   وَحَياتي في مَماتي
وحال المنكرين من أهل الأهواء والبدع والعلماء الحريصين على الدنيا بخلاف هذا، فإنهم لن يتمنوه أبداً قال تعالى: { وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } [البقرة: 96] لأن المشرك وإن كان حريصاً على الحياة، ولكن لم يكن له خوف العذاب لإنكاره البعث ولمنكر المعرفة حرص الحياة وخوف العذاب، فيكون أحرص على الحياة من المشرك، وفيه أن حب الحياة من نتيجة الغفلة عن الله، فأشدهم عنه غفلة أحبهم للبقاء في الدنيا وحال المؤمن على ضده فالعبد المطيع يحب الرجوع إلى سيده والعبد الآبق لا يريد الرجوع إلى سيده، وفي الحديث الصحيح: " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " أي: محبة العبد للقاء نتيجة محبة الله للقاء العبد كقوله تعالى:يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [المائدة: 54].

ثم أخبر عن غاية خذلانهم من عداوتهم لجبريل لقوله تعالى: { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ } [البقرة: 97]، الآيتين والإشارة فيهما أن الله تعالى خص النبي صلى الله عليه وسلم من سائر الأنبياء بإنزال القرآن على قلبه، فإن جميع الكتب كان ينزل ظاهراً جملة واحدة في الألواح والصحائف مكتوبة.

* فمن فوائد ضرورة القرآن معجزة بأن يأتي بمثل هذا القرآن الذي لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله لآية.

ومنها: أن القرآن لما أنزل على قلبه صلى الله عليه وسلم أنزل عليه آية وآيات أو سورة بدفعات في مدة ثلاث وعشرين سنة من سني النبوة؛ ليتصف قلبه بأخلاق القرآن، وما أشير إليه فيه ويتأدب بآدابه كما روي عن عائشة - رضي الله عنها - وعن أبيها حين سُئلت ما كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله تعالى يقول:

السابقالتالي
2 3