الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } * { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ } * { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [البقرة: 6]، أي: حجروا ربوبيتي بعد إقرارهم في عهدأَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [الأعراف: 172]، بإجابة { بَلَىٰ } ستروا صفاء قلوبهم برين ما كسبوا من أعمالهم الطبيعية النفسانية، وأفسدوا حُسن استعدادهم من فطرة الله التي فطر الناس عليها باكتساب الصفات البهيمية والسبعية والشيطانية، كما قال تعالى:كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [المطففين: 14]، وذلك أن أرواحهم النفيسة لما نظروا بروزنة الحواس الخمس إلى عالم الصورة الحسية حجبت عن مألوفاتها ومجارياتها، ثم ابتليت بصحبة النفوس الحيوانية واستأنست بها، ولهذا سمي الإنسان إنساناً؛ لأنه أنيس، فبمجاورة النفس الخسيسة صار الروح النفيس خسيساً، فاستحسن ما استحسنته النفس واستلذ بما استلذت به النفس، واستمتع من المراتع الحيوانية فانقطعت عنه الأغذية الروحانية ونسي حضائر القدس وجوار الحق ورياض الأنس، ولهذا سمي الناس ناساً لأنهم نسوا فتاهوا في أودية الخسران فاستهواهم الشيطان في الأرض حيران، ولما نسوا الله بالكفر فنسيهم بالخذلان حتى غلب عليهم الهوى، وواقعهم في مهالك الردى، فأصبحوا بنفوس أصبى وقلوب مولى.

{ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ } [البقرة: 6]، بالوعد والوعيد وخوفهم بالعذاب الشديد { أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ } [البقرة: 6]، لم تحذرهم { لاَ يُؤْمِنُونَ } [البقرة: 6]، بما أخبرتم ودعوتهم إليه وأنذرتهم عليه؛ لأن روزنة قلوبهم إلى عالم الغيب منسدة بغشاوة حلاوة الدنيا وقلوبهم مغلوقة بحب الدنيا وشهواتها مغفولة عليها بمتابعة الهوى كما قال تعالى:أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } [محمد: 24] فما تشموا روائح الإنس من رياض القدس، بل هبت عليهم ريح ضرر الشقاوة من جهة حكم السابقة، وأدركهم بالختم على أقفالها كما قال تعالى: { خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ } [البقرة: 7]، في الختم إشارة إلى بداية سوابق أحكام القدر بالسعادة والشقاوة على وفق الحكمة والإرادة الأزلية للخليقة، كما قال تعالى:فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } [هود: 105]، مع حسن استعداد جميعهم بقبول الإيمان والكفر، ولهذا لما خاطب الحق ذراتهم بخطابأَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [الأعراف: 172]، قالوا: { بَلَىٰ } جميعاً، ثم أودع الله الذرات في القلوب والقلوب في الأجساد، والأجساد في الدنيا في ظلمات ثلاث، وكانت روزنة القلوب كلها مفتوحة إلى عالم الغيب بواسطة الذرات المودعات التي سمعت خطاب الحق، وشاهدت كمال الحق إلى وقت ولادة كل إنسان كما قال صلى الله عليه وسلم: " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه " وفيه إشارة إلى أن الله يكل الأشقياء إلى تربية الوالدين في معنى الدين حتى يلقونهم تقليد ما ألفوا عليهم آباءهم من الضلالة فيضلوهم، كما قال تعالى:أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [الأنبياء: 54]، فكانت تلك الشقاوة المقدرة مضمرة في ضلالة التقليد والصفات النفسانية الظلمانية والهوى والطبيعة، ثم جعل تأثيرها وظلمتها ورينها يندرج إلى القلوب؛ فيقسيها ويسودها ويغطيها، ويسد روزنتها إلى الذرات فيعميها ويصمها حتى لا يبصر أهل الشقاوة ببصر الذرات من الحق ما كانوا يبصرون ولا يسمعون بسمع الذرات من الحق ما كانوا يسمعون، فينكرون على الأنبياء ويكفرون بهم وبما يدعونهم إليه، فيختم الله شقاوتهم بكفرهم هذا ويطبع به على قلوبهم، كقوله تعالى

السابقالتالي
2 3 4