الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } * { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } * { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ } * { وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ ٱللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ ٱللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

ثم أخبر عن اليأس من إيمانهم بغاية خذلانهم بقوله تعالى: { أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ } [البقرة: 75]، إلى قوله تعالى: { وَمَا يُعْلِنُونَ } [البقرة: 77]، والإشارة في تحقيق الآيات بمجرد سماع الكلام من الله تعالى وإن كان بلا واسطة لا يحصل الإيمان الحقيقي، فإن الفريق الذين يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه، ولو كان لهم من الإيمان الحقيقي حاصل ما حرفوا كلام الله وهم يعلمون العلم الحقيقي أنه حق، وهذا يدل على أن علم الرجل ويقينه ومعرفته ومكالمته مع الله تعالى لا يفيد الإيمان الحقيقي إلا أن يزكيه الله تعالى بفضله ورحمته كما قال تعالى:وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً } [النور: 21]، وإن الله تعالى كلم إبليس وخاطبه بقوله:إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [ص: 75]، وما أفاده الإيمان الحقيقي إذا لم يكن مؤيداً من الله بفضله ورحمته قال في حقه:وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ } [البقرة: 34].

{ وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤاْ آمَنَّا } [البقرة: 76] يعني: إذ لم يكن سماع الكلام يفيد الفريق منهم فكيف يفيد هؤلاء منا: { وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [البقرة: 76]، وهم من جهلهم وغفلتهم: { أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } [البقرة: 77]، فيطلع رسوله على أسرارهم، وهذا أحد معاني إعجاز القرآن؛ يخبرهم عن مخفيات ضمائرهم ومجيبات سرائرهم { وَمَا يُعْلِنُونَ } [البقرة: 77]، من تصديق بلا تحقيق وهم من عمى بصائر قلوبهم لا يبصرون المعجزات ولا يؤمنون بها.

ثم أخبر عن غاية جهلهم وخسة عقلهم بقوله تعالى: { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ } [البقرة: 78]، الآيتين، الإشارة فيهما: أن اليهود متفاوتون في مراتب كفرهم، فقوم منهم أميون لا يعلمون الكتاب ما هو في الحقيقة إلا أماني أي: ما يتمنون من عند أنفسهم كما قال تعالى:مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ } [الشورى: 52]، وكما قال صلى الله عليه وسلم: " ليس الدين بالتمني " فبعضهم أحسن درجة وأكثر جهلاً، ركنوا إلى التقليد المحض، ولا يمكنهم استيفاء شهوة، بل اعترضوا بظنون فاسدة وتخمينات مبهمة، فهم الذين لا نصيب لهم من كتبهم إلا قراءتها دون معرفة معانيها وإدراك أسرارها وحقائقها، وهذا حال أكثر أهل زماننا من مدعي الإسلام، ومنهم: من أكثر شأنه ما يتمناه في نفسه ولا يساعده مكان إلا بظنون وتخمين، ومنهم: من يعتمد على كتب الأوائل وأقاويلهم الفاسدة وظنونهم الكاذبة ويكتبونه بأيديهم { ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً } [البقرة: 79]، من الحطام الدنيوية والوجاهة عند الناس { فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ } [البقرة: 79]، من الكفر والإلحاد عن الحق والاعتقاد السوء، وإغواء الخلق وإضلالهم، كما قال تعالى:

السابقالتالي
2 3