الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَٰيَٰكُمْ وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } * { وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ ٱللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } * { وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ ٱلأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ ٱهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

ثم أخبر عن خروجهم من تيه البلاء ودخولهم قرية الابتلاء لقوله تعالى: { وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ } [البقرة: 58]، الآيتين والإشارة فيهما: أن الله تعالى لما علم من طينة الإنسان أن الأفعال والأقوال الطبيعية تنبت وتقوي ظلمة البشرية، وتزيد في حجب الروح العلوي أمرهم بالأفعال والأقوال الشرعية التي مودعة فيهما أنوار الشرع؛ لتكون مزيلة لتلك الظلمات الطبيعية، فلما أراد بنو إسرائيل أن يدخلوا قرية ويأكلوا من ثمارها وهذه القرية { فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً } [البقرة: 58] ليكون سجودكم مكفراً لخطايا أعمالكم الطبيعية { وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَٰيَٰكُمْ وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } [البقرة: 58]، الذين يطيعوننا في أنوار إيمانهم وإحسانهم.

فلما أخبر بنو إسرائيل سوء أفعالهم وبدلوا ما أمروا من مقالهم وظلموا على أنفسهم بأعمالهم وأقوالهم، { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } [البقرة: 59]، بالقول والعمل { رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [البقرة: 59]، عذاباً مهلكاً في الدنيا وحجاباً مبعداً في الآخرة { بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } [البقرة: 59]، عن أمر ربهم ويتبعون أهواء أنفسهم، كذا من لم يعرف قدر النعماء يقرع باب البلاء لتجري عليه أحكام القضاء فامتحن بأنواع المحن والوباء.

ثم أخبر عن إتمام النعماء بإجابة الدعاء عند الاستسقاء بقوله تعالى: { وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ } [البقرة: 60]، والإشارة فيها أن الروح الإنساني وصفاته في عالم الغيب بمثابة موسى وقومه وهو يستسقي ربه ليرويها من ماء الحكمة والمعرفة، وهو مأمور بضرب عصا " لا إله إلا الله " ، ولها شعبتان من النفي والإثبات، فتتقدان نوراً عند استيلاء ظلمات صفات النفس، وقد حمل من جنة حضرة العزة على حجر القلب الذي كالحجارة أو أشد قسوة، { فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً } [البقرة: 60]، من ماء الحكمة لأن كلمة: " لا إله إلا الله " اثنا عشر حرفاً كل حرف عين { قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ } [البقرة: 60]، سبط من أسباط الصفاء الإنساني، وهم اثنا عشر سبطاً من الحواس الخمس الظاهرة والحواس الخمس الباطنة والقلب والنفس، ولكل واحد حيث ساقه سائقه، وقاده قائده، فمشرب عذب فرات ومشرب ملح أجاج؛ فالنفوس ترد مناهل المنى والشهوات، والقلوب تشرب من مشارب النفي والطاعات والأرواح تشرب من زلال الكشوف والمشاهدات، والأسرار تروى من عيون الحقائق بكأس تجلي الصفات عن ساقيوَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } [الإنسان: 21] والخطي بخطى الاضمحلال في حقيقة الذات.

{ كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ } [البقرة: 60]، كل واحد منكم { مِن رِّزْقِ ٱللَّهِ } [البقرة: 60]، بأمره ورضاه، { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } [البقرة: 60]، ترك الأمر واختيار الغرور، وبيع الدين بالدنيا وإيثار الأولى على الآخرة واختيارها على المولى.

السابقالتالي
2 3