الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَٱلْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَٰقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلْعِجْلَ فَتُوبُوۤاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } * { وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } * { ثُمَّ بَعَثْنَٰكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقْنَٱكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

ومن نعمه الباطنة: ما ذكر في قوله تعالى: { ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ } [البقرة: 52] أي: من بعد عبادتكم العجل { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة: 52]، والشكر على ثلاثة أوجه: شكر بالأقوال، وشكر بالأعمال، وشكر بالأحوال.

فشكر الأقوال: أن يتحدث بالنعم مع نفسه إسراراً ومع غيره إظهاراً ومع ربه افتقاراً، كما قال تعالى:وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } [الضحى: 11]، وقوله صلى الله عليه وسلم: " التحدث بالنعم شكر ".

وشكر الأعمال: أن يعرف نعمة الله تعالى في طاعته ولا يعصيه بها، ويتدارك ما فاته من الطاعات وبادر من المعاصي؛ لقوله تعالى:ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً } [سبأ: 13].

وشكر الأحوال: أن يتجلى المنعم بالصفة الشكورية على سر العبد، فلا يرى إلا المنعم في النعمة والشكور في الشكر، ويرى المنعم في النعمة من المنعم، والشكر في الشكر والشكر من الشكور، ويرى وجوده وشكر النعمتين من نعم المنعم ورؤية النعمة، فتكون نعمة وجوده مرآة جمال المنعم، ويكون شكره مرآة جمال الشكور، ورؤية النعمة والمنعم نعمة أخرى إلى غير نهاية، فيعلم ألا يقوم بأداء شكره ولا يشكره إلا الشكوروَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ } [الشورى: 23].

ثم أخبر عن إيتاء الكتاب أنها نعمة أخرى في هذا الباب بقوله تعالى: { وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَٱلْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [البقرة: 53]، والإشارة فيها أن الله تعالى آتى لموسى الكتاب وهي التوراة والفرقان وهو نور النبوة والحكمة يؤتيها الله تعالى أنبياءه مع الكتاب، فيفرقون بها بين الحق والباطل للأمة، ويبينون بها الكتاب، ويعلمهم الحكمة لقوله تعالى:أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ } [الأنعام: 89]، وقوله تعالى:وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ } [البقرة: 151]، قال صلى الله عليه وسلم: " أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ " ، { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } لكي تهتدوا بنور الكتاب ونور حكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن موعظته إلى التوبة الحقيقية، وهي الرجوع إلى الله تعالى بقتل النفس الأمارة التي تعبد عجل الهوى؛ كيلا يحتاجوا إلى قتل النفس في الصورة. فلما لم يهتدوا إلى هذه التوبة بالتعريض، أمرهم بالتصريح بقوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ } [البقرة: 54]، والإشارة فيها أن لكل قوم عجلاً يعبدونه من دون الله؛ قوم يعبدون عجل الدرهم والدينار قال صلى الله عليه وسلم: " تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار تعس عبد الخميصة " ، وقوم يعبدون عجل الشهوات، وقوم يعبدون عجل الجاه، وعجل الهوى وهذه بغضها الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم: " ما عبد إله أبغض على الله من الهوى ".

وقال تعالى:أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } [الجاثية: 23]، فأرسل الله تعالى نبيه موسى قلب كل سعيد لقوله تعالى: { يَٰقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلْعِجْلَ فَتُوبُوۤاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ } [البقرة: 54]، ارجعوا إلى الله تعالى بالخروج عما سواه، ولا يمكنكم إلا بقتل النفس { فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } [البقرة: 54]، بقمع الهوى لأن الهوى هو حياة، وبالهوى عبد ما عبد من دون الله على الحقيقة، وبالهوى ادعى فرعون الربوبية، وعبد بنو إسرائيل العجل، وبالهوى أبى واستكبر إبليس، وبه أكل آدم من الشجر، وبه عبدت الكواكب والأصنام.

السابقالتالي
2