الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ } * { وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ } * { فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ } * { فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَٰتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } * { قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُولَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ } * { يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّٰيَ فَٱرْهَبُونِ }

ثم أخبر بقوله تعالى: { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ } [البقرة: 34]، والإشارة في تحقيق الآية أن في قوله { ٱسْجُدُواْ } ثلاثة معان:

أحدهما: إنكم تسجدون لله بالطبيعة الملكية والروحانية { ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ } [البقرة: 34]، خلافاً للطبيعة بل تعبدوا رقاً وانقياداً للأمر وامتثالاً للحكم.

والثاني: { ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ } [البقرة: 34]، تعظيماً لشأن خلافته وتكريماً لفضيلته المخصوصة به، وذلك لأن الحق تعالى يتجلى فيه، فمن يسجد له فقد سجد لله تعالى، كما قال تعالى في حق حبيبه صلى الله عليه وسلم:إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } [الفتح: 10].

والثالث: { ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ } [البقرة: 34]، أي: لأجل آدم عليه السلام وذلك لأن طاعتهم وعبادتهم ليست موجبة لثوابهم وترقي درجاتهم، وفائدتها على الحقيقة راجعة إلى الإنسان لمعنيين.

أحدهما: إن الإنسان يقتدي بهم في الطاعة، ويتأدب بآدابهم في امتثال الأوامر، وينزجر عن الإباء والاستكبار كيلا يلحق به اللعن والطرد كما لحق بإبليس، ويكون مقبولاً ممدوحاً مكرماً كما كان الملائكة في امتثال الأمر؛ لقوله تعالى:لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم: 6]، والثاني: إن الله تعالى من كمال فضله ورحمته مع الإنسان جعل همة الملائكة في الطاعة والتسبيح والتحميد مقصورة على استعداد المغفرة للإنسان، كما قال تعالى:وَٱلْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي ٱلأَرْضِ } [الشورى: 5]، فلذلك أمرهم بالسجود لأجلهم وليستغفرا لهم { فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ } [البقرة: 34] أي: سجد الملائكة لأنهم خلقوا من نور، كما قال صلى الله عليه وسلم: " خلقت الملائكة من نور " والنور من شأنه الانقياد والطاعة، { إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ } سجد وأبى لأنه خلق من النار والنار من شأنها الاستكبار وطلب العلو طبعاً { وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ } [البقرة: 34]، لأنه ستر الحق على آدم عليه السلام ولهذا أيضاً سمي إبليس؛ لأنه يلبس الحق وأصل الكفر الستر.

ثم أخبر عن تمام نعمته على آدم وكرمه في حقه بعد سجود الملائكة وطرد إبليس لأجله لقوله: { وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ } [البقرة: 35]، والإشارة في تحقيق الآية أن فيها إشارات ومعاني منها: { يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ } [البقرة: 35] أي: بعد أن سجدت لك الملائكة ولعنت لأجلك إبليس جعلت الجنة مسكنك وجعلت منك زوجك ولتسكن إليها وتسكن معك في الجنة، فأسكنا في الجنة { وَكُلاَ مِنْهَا } [البقرة: 35] أي: من أثمار أشجارها ونعمها وألوان أطعمها { رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا } [البقرة: 35]، فتمت نعمتي لديكما ووجبت طاعتي عليكما { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } [البقرة: 35]، تقربا التي وطاعة لي لتكونا من المطيعين لأمري ونهيي والموفين بعهدي، وإلا { فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ } [البقرة: 35]، فلما قبلتما قولي وما أوفيتما بعهدي وعصيتما أمري وظلمتما على أنفسكما، فهذا منكما من خصوصية الظلومية الجهولية ظلوم بأنه مظلم نفسه جهولاً بأنه لا يعلم أن ظلمه عائد إلى نفسه، كما قال تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5