الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤـمۤ } * { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } * { وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

{ الۤـمۤ } [البقرة: 1]، قال الشيخ الإمام مصنف الكتاب رحمه الله:

يحمل أن يكون { الۤـمۤ } وسائر الحروف المقطعة من قبيل المواضعات المعميات بالحروف بين المحبين لا يطلع عليها غيرهم، وقد وضعها الله مع نبيه صلى الله عليه وسلم في وقت لا يسعه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل ليتكلم بها معه على لسان جبريل عليه السلام بأسرار وحقائق لا يطلع عليها جبريل عليه السلام ولا غيره، يدل على هذا ما روي في الأخبار: " أن جبريل عليه السلام لما نزل بقوله تعالى: { كۤهيعۤصۤ } [مريم: 1]، فلما قال: { كۤ } [مريم: 1]، قال: النبي علمت، فقال: { هـ } [مريم: 1]، فقال: علمت، فقال: { ي } [مريم: 1]، فقال: علمت، فقال: { عۤ } [مريم: 1]، فقال: علمت، فقال: { صۤ } [مريم: 1]، فقال: علمت، فقال جبريل عليه السلام: كيف علمت ما لم أعلم ".

وفي الحروف المقطعة إشارة إلى أن كلام الله تعالى لا يسعه الحروف والكلمات؛ لأن الكافر غير متناهٍ، والحروف والكلمات متناهية؛ وذلك لأن الصبيان يعلمون أولاً الحروف المقطعة الفارغة من معاني القرآن، ولكنها دالة على كلمات القرآن وبها يهتدى إلى قراءة القرآن، ثم يعلمونهم المركبات من الحروف، ثم يعلمون القرآن كلاماً وسوراً، فيفقهون منها المعاني كل واحد على قدر علمه، وفهمه ومعرفته وصدق نيته وصفاء طويته، ومواهب الحق في حقه؛ فيظن بعض الظانين منهم إذا انقطعت الكلمات والسور المعدودة أن كلام الله انقطع ومعانيه تناهت، فالله سبحانه وتعالى بكمال حكمته أنزل بعد الكلمات والسور الحروف المقطعة بعضها مركبة بالكتابة مقطعة بالقرآن مثل { الۤـمۤ } و { الۤر } وغيرها.

وبعضها مفردة مقطعة بالكتابة والقرآن مثل { صۤ } و { قۤ } و { نۤ } ليعلموا أن كلام الله القديم والقرآن العظيم لا تحويه الكلمات المعدودة ولا تحصيه السور المحدودة، فإن الحروف المقطعة تدل على ما تدل عليه الكلمات من المعاني، والكلمات منحصرة معدودة ودلالة الحروف عليها غير منحصرة معدودة؛ لأن هذا يشير إلى أن الحروف المقطعة لو ركب بعضها بعضاً إلى الأبد لا ينقضي كلام الله تعالى، ولا يضيق نطاق نطق الحروف عن توسع محيط الكلام الأزلي؛ لأنه فرق ظاهر بين الحروف المقطعة وبين الحروف المحدثة جمعاً.

والكلمات القائمة بالحروف المحدثة منحصرة، ومعاني الحروف القائمة بالكلام القديم غير متناهية ولا منحصرة لقوله تعالى:قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } [الكهف: 109]، وفي الحروف المقطعة إشارة أخرى، وهي: أن المركبة بالكتابة تشير إلى أن إلباس كسوة الحروف المحدثة في الكلام القديم لقصور فهم الإنسان، والمفردة منها تشير إلى أن الله تعالى متكلم بكلام أزلي أبدي غير ذي عدد، وتجدد الآيات والكلمات والسور العربية والعبرية والسريانية إنما جعلت كسوة الكلام الفرداني المنزه ليفهم الخلق لقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10