الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلَٰئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ إِن كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } * { قَالُواْ سُبْحَٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } * { قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ }

قوله تعالى: { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ } [البقرة: 29]، أي: شرع في تسويتها { فَسَوَّٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ } [البقرة: 29]، مستويات على مصالح الأرض ومنافع الخلق فيه، إشارة إلى أن وجود السماوات والأرض تبعاً لوجود الإنسان؛ لأنه قال: { خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } [البقرة: 29]، أن الله تعالى خلق السماوات والأرض وما فيهن وسواهن على وفق مصالحك وانتفاعك من وسلوكك وتربيتك فيهن، كذلكٱلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِيۤ أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ } [الانفطار: 7-8] بنفخ روحه فيك.

كما قال تعالى:فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي } [الحجر: 29]، ثم سواك بالوحي والإلهام بقبول فيض تجلي صفاته تعالى فيك لك كما قال صلى الله عليه وسلم: " إن الله خلق آدم فتجلى فيه " ، قال تعالى:سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ } [فصلت: 53].

قوله تعالى: { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [البقرة: 29]، أي: عالم في خلق كل شيء كيف خلقه ولأي شيء خلقه، وكل ذرة من مخلوقاته وكل شيء من موجوداته يسبح ذاته وصفاته ويشهد بأحديته وصمديته ويقول:رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ } [آل عمران: 191]، فلما ذكر أن السماوات والأرض خلقت للإنسان أخبر أن الإنسان لماذا خلق بقوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } [البقرة: 30]، والإشارة في تحقيق الآية: أن الله تعالى إنما قال { إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } [البقرة: 30]، ولم يقل: إني خالق معنيين: أحدهما: إن الجاعلية أعم من الخالقية فإن الجاعلية هي الخالقية وشيء آخر وهو أن يخلقه موصوفاً بصفة الخلافة إذ ليس لكل مخلوق هذا الاختصاص كما قال تعالى:يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ } [ص: 26] أي: خلقتك مستعداً للخلافة فأعطيناكها، والثاني: إن للجعلية اختصاصاً بعالم الأمر وهو الملكوت وهو ضد عالم الخلق لأنه هو عالم الأجسام والمحسوسات، كما قال تعالى:أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } [الأعراف: 54]، أي: الملك والملكوت؛ فإنه تعالى حين ذكر ما هو مخصوص بعالم الأمر جعله بالجعلية لامتياز الأمر عن الخلق كما قال تعالى:ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ } [الأنعام: 1]، فالسماوات والأرض لما كانت من الأجسام والمحسوسات ذكرها بالخلقية، والظلمات والنور لما كانت من غير المحسوسات ذكرها بالجعلية، وإنما قلنا إن الظلمات والنور من الملكوتيات لقوله تعالى:ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [البقرة: 257]، فإنما هي من الملكوتيات لا من المحسوسات، والظلمات والنور التي من المحسوسات فإنها داخلة في السماوات والأرض فافهم جداً.

فكذلك ما أخبر الله تعالى عن آدم مما يتعلق بجسمانيته ذكره بالخلقية، كما قال تعالى:إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ } [ص: 71]، وما أخبر عما يتعلق بروحانية ذكره بالجعلية فقال تعالى: { إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } [البقرة: 30]، وفي: { إِنِّي جَاعِلٌ } إشارة أخرى وهو إظهار عزة آدم على الملائكة لينظروا إليه ينظر التعظيم ولا ينظروا إليه بما يظهر منه ومن أولاده من أوصاف البشرية فإنه تعالى يقول:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8